فصل: مَا جَاءَ فِي عَفْوِ الْمَهْرِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


طَلاَقُ الْمُشْرِكِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا أَثْبَت رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْدَ نِكَاحِ الشِّرْكِ وَأَقَرَّ أَهْلَهُ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلاَمِ لَمْ يَجُزْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ طَلاَقُ الشِّرْكِ لِأَنَّ الطَّلاَقَ يَثْبُتُ بِثُبُوتِ النِّكَاحِ وَيَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ فَلَوْ أَنَّ زَوْجَيْنِ أَسْلَمَا وَقَدْ طَلَّقَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ فِي الشِّرْكِ ثَلاَثًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَإِنْ أَصَابَهَا بَعْدَ الطَّلاَقِ ثَلاَثًا فِي الشِّرْكِ لَمْ يَكُنْ لَهَا صَدَاقٌ لِأَنَّا نُبْطِلُ عَنْهُ مَا اسْتَهْلَكَهُ لَهَا فِي الشِّرْكِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ أَصَابَهَا بَعْدَ طَلاَقِ ثَلاَثٍ كَانَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَحِقَ الْوَلَدُ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا قَالَ الرَّبِيعُ إذَا كَانَ يُعْذَرُ بِالْجَهَالَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَا حُسِبَ عَلَيْهِ مَا طَلَّقَهَا فِي الشِّرْكِ وَبَنَى عَلَيْهَا فِي الْإِسْلاَمِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا فِي الشِّرْكِ ثُمَّ نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ أَصَابَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ثُمَّ نَكَحَهَا زَوْجُهَا الَّذِي طَلَّقَهَا كَانَتْ عِنْدَهُ عَلَى ثَلاَثٍ كَمَا تَكُونُ فِي الْإِسْلاَمِ إذَا كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا عِنْدَهُمْ نُثْبِتُهُ فِي الْإِسْلاَمِ وَذَلِكَ أَنْ لاَ تَنْكِحَ مُحَرَّمًا وَلاَ مُتْعَةً وَلاَ فِي مَعْنَاهَا‏.‏

قَالَ وَلَوْ آلَى مِنْهَا فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فَإِذَا اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ إيلاَئِهِ وُقِفَ كَمَا يُوقَفُ مَنْ آلَى فِي الْإِسْلاَمِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ مَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَا ثُمَّ أَسْلَمَا ثُمَّ طَلَبَتْ أَنْ يُوقَفَ وُقِفَ مَكَانَهُ لِأَنَّ أَجَلَ الْإِيلاَءِ قَدْ مَضَى وَلَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَا وَقَدْ أَصَابَهَا قَبْلَ الْإِسْلاَمِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ لَمْ يُصِبْهَا أَمَرْته بِاجْتِنَابِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ، قَالَ وَلَوْ قَذَفَهَا فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَا ثُمَّ تَرَافَعَا قُلْت لَهُ الْتَعِنْ وَلاَ أُجْبِرُهُ عَلَى اللِّعَانِ وَلاَ أَحُدُّهُ إنْ لَمْ يَلْتَعِنْ وَلاَ أُعَزِّرُهُ فَإِنْ الْتَعَنَ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا مَكَانِي وَلَمْ آمُرْهَا بِالِالْتِعَانِ لِأَنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَيْهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا فِي الشِّرْكِ وَلَيْسَ لَهَا مَعْنًى فِي الْفُرْقَةِ إنَّمَا الْفُرْقَةُ بِالْتِعَانِهِ وَإِنْ لَمْ يَلْتَعْنَ فَسَوَاءٌ أَكَذَّبَ نَفْسَهُ أَوْ لَمْ يُكَذِّبْهَا لَمْ أُجْبِرْهُ عَلَيْهِ وَلَمْ أَحُدُّهُ وَلَمْ أُعَزِّرْهُ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا فِي الشِّرْكِ حَيْثُ لاَ حَدَّ عَلَيْهِ وَلاَ تَعْزِيرَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا فِي الشِّرْكِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ثُمَّ دَخَلَتْهَا فِي الشِّرْكِ أَوْ الْإِسْلاَمِ طَلُقَتْ وَيَلْزَمُهُ مَا قَالَ فِي الشِّرْكِ كَمَا يَلْزَمُهُ مَا قَالَ فِي الْإِسْلاَمِ لاَ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ‏.‏

وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي الشِّرْكِ بِصَدَاقٍ فَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا أَوْ بِلاَ صَدَاقٍ فَأَصَابَهَا فِي الْحَالَيْنِ ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ ثُمَّ أَسْلَمَ زَوْجُهَا وَطَلَبَ وَرَثَتُهَا صَدَاقَهَا الَّذِي سُمِّيَ لَهَا أَوْ صَدَاقَ مِثْلِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنِّي لاَ أَقْضِي لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَا فَاتَ فِي الشِّرْكِ وَالْحَرْبِ‏.‏

نِكَاحُ أَهْلِ الذِّمَّةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَعَقْدُ نِكَاحِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَا لَمْ يَتَرَافَعُوا إلَيْنَا كَنِكَاحِ أَهْلِ الْحَرْبِ مَا استجازوه نِكَاحًا ثُمَّ أَسْلَمُوا لَمْ نَفْسَخْهُ بَيْنَهُمْ إذَا جَازَ ابْتِدَاؤُهُ فِي الْإِسْلاَمِ بِحَالٍ، وَسَوَاءً كَانَ بِوَلِيٍّ أَوْ غَيْرِ وَلِيٍّ وَشُهُودٍ أَوْ غَيْرِ شُهُودٍ، وَكُلُّ نِكَاحٍ عِنْدَهُمْ جَائِزٌ أَجَزْته إذَا صَلَحَ ابْتِدَاؤُهُ فِي الْإِسْلاَمِ بِحَالٍ قَالَ وَهَكَذَا إنْ نَكَحَهَا فِي الْعِدَّةِ وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ ثُمَّ لَمْ يُسْلِمَا حَتَّى تَمْضِيَ الْعِدَّةُ وَإِنْ أَسْلَمَا فِي الْعِدَّةِ فَسَخْت نِكَاحَهُمَا لِأَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ ابْتِدَاءُ هَذَا فِي الْإِسْلاَمِ بِحَالٍ وَإِنْ نَكَحَ مَحْرَمًا لَهُ أَوْ امْرَأَةَ أَبِيهِ ثُمَّ أَسْلَمَا فَسَخْته لِأَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ ابْتِدَاؤُهُ فِي الْإِسْلاَمِ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ إنْ نَكَحَ امْرَأَةً طَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ زَوْجًا غَيْرَهُ يُصِيبُهَا، وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمْ وَعِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ قِيلَ لَهُ أَمْسِكْ أَيَّ الْأَرْبَعِ شِئْت وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكَذَلِكَ مُهُورُهُنَّ فَإِذَا أَمْهَرَهَا خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ شَيْئًا مِمَّا يُتَمَوَّلُ عِنْدَهُمْ مَيْتَةً أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا لَهُ ثَمَنٌ فِيهِمْ فَدَفَعَهُ إلَيْهَا ثُمَّ أَسْلَمَ فَطَلَبَتْ الصَّدَاقَ لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُ مَا قَبَضَتْ إذَا عُفِيَتْ الْعُقْدَةُ الَّتِي يَفْسُدُ بِهَا النِّكَاحُ فَالصَّدَاقُ الَّذِي لاَ يَفْسُدُ بِهِ النِّكَاحُ أَوْلَى أَنْ يُعْفَى فَإِذَا لَمْ تَقْبِضْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ أَسْلَمَا فَإِنْ كَانَ الصَّدَاقُ مِمَّا يَحِلُّ فِي الْإِسْلاَمِ فَهُوَ لَهَا لاَ تُزَادُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يَحِلُّ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ وَهُوَ مِمَّا لاَ يَحِلُّ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَ إسْلاَمِهِمَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ وَهَكَذَا إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةَ وَهُوَ الْمُتَخَلِّفُ عَنْ الْإِسْلاَمِ لاَ يَأْخُذُ مُسْلِمٌ حَرَامًا وَلاَ يُعْطِيهِ‏.‏ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَقْبِضْهُ ثُمَّ أَسْلَمَا وَطَلَّقَهَا رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا‏.‏ وَإِذَا أَسْلَمَ هُوَ وَهِيَ كِتَابِيَّةٌ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ‏.‏

وَإِذَا تَنَاكَحَ الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أَسْلَمُوا لَمْ أَفْسَخْ نِكَاحَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ‏.‏

وَإِنْ نَكَحَ يَهُودِيٌّ نَصْرَانِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيٌّ مَجُوسِيَّةً أَوْ مَجُوسِيٌّ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ وَثَنِيٌّ كِتَابِيَّةً أَوْ كِتَابِيٌّ وَثَنِيَّةً لَمْ أَفْسَخْ مِنْهُ شَيْئًا إذَا أَسْلَمُوا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ نَسَبًا فَتَنَاكَحُوا فِي الشِّرْكِ نِكَاحًا صَحِيحًا عِنْدَهُمْ ثُمَّ أَسْلَمُوا لَمْ أَفْسَخْهُ بِتَفَاضُلِ النَّسَبِ مَا كَانَ التَّفَاضُلُ إذَا عُفِيَ لَهُمْ عَمَّا يُفْسِدُ الْعُقْدَةَ فِي الْإِسْلاَمِ فَهَذَا أَقَلُّ مِنْ فَسَادِهَا‏.‏

وَإِذَا كَانَتْ نَصْرَانِيَّةٌ تَحْتَ وَثَنِيِّ أَوْ وَثَنِيَّةٌ تَحْتَ نَصْرَانِيٍّ فَلاَ يَنْكِحُ الْوَلَدُ وَلاَ تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْوَلَدِ وَلاَ يَنْكِحُهَا مُسْلِمٌ لِأَنَّهَا غَيْرُ كِتَابِيَّةٍ خَالِصَةٍ وَلاَ تُسْبَى لِذِمَّةِ أَحَدِ أَبَوَيْهَا وَلَوْ تَحَاكَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ إلَيْنَا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا وَجَبَ عَلَيْنَا الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ كَانَ الزَّوْجُ الْجَائِي إلَيْنَا أَوْ الزَّوْجَةُ فَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ لَمْ يَمْضِ لَمْ نُزَوِّجْهُمْ إلَّا بِشُهُودٍ مُسْلِمِينَ وَصَدَاقٍ حَلاَلٍ وَوَلِيٍّ جَائِزِ الْأَمْرِ أَبٍ أَوْ أَخٍ لاَ أَقْرَبَ مِنْهُ وَعَلَى دِينِ الْمُزَوَّجَةِ وَإِذَا اخْتَلَفَ دِينُ الْوَلِيِّ وَالْمُزَوَّجَةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيًّا إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَهِيَ مُشْرِكَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيًّا وَيُزَوِّجُهَا أَقْرَبُ النَّاسِ بِهَا مِنْ أَهْلِ دِينِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا قَرِيبٌ زَوَّجَهَا الْحَاكِمُ لِأَنَّ تَزْوِيجَهُ حُكْمٌ عَلَيْهَا ثُمَّ نَصْنَعُ فِي وُلاَتِهِمْ مَا نَصْنَعُ فِي وُلاَةِ الْمُسْلِمَاتِ وَإِنْ تَحَاكَمُوا بَعْدَ النِّكَاحِ فَإِنْ كَانَ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ حِينَ تَحَاكُمِهِمْ إلَيْنَا بِحَالٍ أَجَزْنَاهُ لِأَنَّ عَقْدَهُ قَدْ مَضَى فِي الشِّرْكِ وَقَبْلَ تَحَاكُمِهِمْ إلَيْنَا وَإِنْ كَانَ لاَ يَجُوزُ بِحَالٍ فَسَخْنَاهُ وَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ مُحَرَّمًا وَقَدْ دَفَعَهُ بَعْدَ النِّكَاحِ لَمْ يُجْعَلْ لَهَا عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهُ جَعَلْنَا لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا لاَزِمًا لَهُ قَالَ وَلَوْ طَلَبَتْ أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَ كُفْءٍ وَأَبَى ذَلِكَ وُلاَتُهَا مُنِعَتْ نِكَاحُهُ وَإِنْ نَكَحَتْهُ قَبْلَ التَّحَاكُمِ إلَيْنَا لَمْ نَرُدَّهُ إذَا كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ نِكَاحًا لِمُضِيِّ الْعَقْدِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا تَحَاكَمُوا إلَيْنَا وَقَدْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا أَوْ وَاحِدَةً أَوْ آلَى مِنْهَا أَوْ تَظَاهَرَ أَوْ قَذَفَهَا حَكَمْنَا عَلَيْهِ حُكْمَنَا عَلَى الْمُسْلِمِ عِنْدَهُ الْمُسْلِمَةُ وَأَلْزَمْنَاهُ مَا نُلْزِمُ الْمُسْلِمَ وَلاَ يُجْزِيهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ إلَّا رَقَبَةُ مُؤْمِنَةٌ وَإِنْ أَطْعَمَ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا إطْعَامُ الْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يُجْزِيهِ الصَّوْمُ بِحَالٍ لِأَنَّ الصَّوْمَ لاَ يُكْتَبُ لَهُ وَلاَ يَنْفَعُ غَيْرَهُ وَلاَ حَدَّ عَلَى مَنْ قَذَفَ مُشْرِكَةً وَإِنْ لَمْ يَلْتَعِنْ وَيُعَزَّرُ وَلَوْ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا وَقَدْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا ثُمَّ أَمْسَكَهَا فَأَصَابَهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا عِنْدَهُمْ جَعَلْنَا لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا بِالْإِصَابَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ جَائِزٍ عِنْدَهُمْ فَاسْتَكْرَهَهَا جَعَلْنَا لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا بِالْإِصَابَةِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ زِنًا وَلَمْ يَسْتَكْرِهَا لَمْ نَجْعَلْ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا زَوَّجَ الذِّمِّيُّ ابْنَهُ الصَّغِيرَ أَوْ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ يَجُوزُ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْإِسْلاَمِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمُسْلِمَةُ ذِمِّيًّا فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ وَيُؤَدَّبَانِ وَلاَ يَبْلُغُ بِهِمَا حَدٌّ وَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِذَا تَزَوَّجَ الْمُسْلِمُ كَافِرَةً غَيْرَ كِتَابِيَّةٍ كَانَ النِّكَاحُ مَفْسُوخًا وَيُؤَدَّبُ الْمُسْلِمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُعْذَرُ بِجَهَالَةٍ وَإِنْ نَكَحَ كِتَابِيَّةً مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ‏.‏

نِكَاحُ الْمُرْتَدِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ فَنَكَحَ مُسْلِمَةً أَوْ مُرْتَدَّةً أَوْ مُشْرِكَةً أَوْ وَثَنِيَّةً فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ أَسْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ لَمْ يُسْلِمَا وَلاَ أَحَدُهُمَا فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَالْوَلَدُ لاَ حَقَّ وَلاَ حَدَّ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُصِبْهَا فَلاَ مَهْرَ وَلاَ نِصْفَ وَلاَ مُتْعَةً وَإِذَا أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلاَ يُحْصِنُهَا ذَلِكَ وَلاَ تَحِلُّ بِهِ لِزَوْجٍ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا لِأَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ وَإِنَّمَا أَفْسَدْته لِأَنَّهُ مُشْرِكٌ لاَ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَلاَ يُتْرَكُ عَلَى دِينِهِ بِحَالٍ لَيْسَ كَالذِّمِّيِّ الْآمِنِ عَلَى ذِمَّةٍ لِلْجِزْيَةِ يُؤَدِّيهَا وَيُتْرَكُ عَلَى حُكْمِهِ مَا لَمْ يَتَحَاكَمْ إلَيْنَا وَلاَ مُشْرِكٌ حَرْبِيٌّ يَحِلُّ تَرْكُهُ عَلَى دِينِهِ وَالْمَنُّ عَلَيْهِ بَعْدَمَا يُقْدَرَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُشْرِكٌ عَلَيْهِ أَنْ يُقْتَلَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ الْمَنُّ عَلَيْهِ وَلاَ تَرْكُ قَتْلِهِ وَلاَ أَخْذُ مَالِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُرْتَدَّةِ وَإِنْ نَكَحَتْ فَأُصِيبَتْ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَنِكَاحُهَا مَفْسُوخٌ وَالْعِلَّةُ فِي فَسْخِ نِكَاحِهَا الْعِلَّةُ فِي فَسْخِ نِكَاحِ الْمُرْتَدِّ‏.‏

كِتَابُ الصَّدَاقِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سَلْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ الْمُطَّلِبِيُّ قَالَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَزْوَاجَ بِأَنْ يُؤْتُوا النِّسَاءَ أُجُورَهُنَّ وَصَدُقَاتِهِنَّ وَالْأَجْرُ هُوَ الصَّدَاقُ وَالصَّدَاقُ هُوَ الْأَجْرُ وَالْمَهْرُ وَهِيَ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ تُسَمَّى بِعَدَدِ أَسْمَاءٍ فَيَحْتَمِلُ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِصَدَاقِ مَنْ فَرَضَهُ دُونَ مَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لِأَنَّهُ حَقٌّ أَلْزَمَهُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ فَلاَ يَكُونُ لَهُ حَبْسُ شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا بِالْمَعْنَى الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ‏}‏ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يَجِبُ بِالْعُقْدَةِ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ مَهْرًا وَلَمْ يَدْخُلْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَهْرُ لاَ يَلْزَمُ أَبَدًا إلَّا بِأَنْ يُلْزِمَهُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ وَيَدْخُلَ بِالْمَرْأَةِ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ مَهْرًا فَلَمَّا احْتَمَلَ الْمَعَانِيَ الثَّلاَثَ كَانَ أُولاَهُ يُقَالُ بِهِ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الدَّلاَلَةُ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ وَاسْتَدْلَلْنَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ‏}‏ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَصِحُّ بِغَيْرِ فَرِيضَةِ صَدَاقٍ وَذَلِكَ أَنَّ الطَّلاَقَ لاَ يَقَعُ إلَّا عَلَى مَنْ عَقَدَ نِكَاحَهُ وَإِذَا جَازَ أَنْ يُعْقَدَ النِّكَاحُ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَيَثْبُتُ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى الْخِلاَفِ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبُيُوعِ وَالْبُيُوعُ لاَ تَنْعَقِدُ إلَّا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَالنِّكَاحُ يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ مَهْرٍ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ بِالْكَلاَمِ بِهِ وَأَنَّ الصَّدَاقَ لاَ يَفْسُدُ عَقْدُهُ أَبَدًا فَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَلَوْ عَقَدَ النِّكَاحَ بِمَهْرٍ مَجْهُولٍ أَوْ حَرَامٍ فَثَبَتَتْ الْعُقْدَةُ بِالْكَلاَمِ وَكَانَ لِلْمَرْأَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا إذَا أُصِيبَتْ وَعَلَى أَنَّهُ لاَ صَدَاقَ عَلَى مَنْ طَلَّقَ إذَا لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا وَلَمْ يَدْخُلْ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ بِالْعُقْدَةِ وَالْمَسِيسِ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا بِالآيَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَك مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ يُرِيدُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ النِّكَاحَ وَالْمَسِيسَ بِغَيْرِ مَهْرٍ وَدَلَّ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا‏}‏ عَلَى أَنْ لاَ وَقْتَ فِي الصَّدَاقِ كَثُرَ أَوْ قَلَّ لِتَرْكِهِ النَّهْيَ عَنْ الْقِنْطَارِ وَهُوَ كَثِيرٌ وَتَرْكِهِ حَدَّ الْقَلِيلِ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْإِجْمَاعِ فِيهِ فَأَقَلُّ مَا يَجُوزُ فِي الْمَهْرِ أَقَلُّ مَا يَتَمَوَّلُ النَّاسُ وَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ رَجُلٌ لِرَجُلٍ كَانَتْ لَهُ قِيمَةٌ وَمَا يَتَبَايَعُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ‏؟‏ قِيلَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَدُّوا الْعَلاَئِقَ قِيلَ‏:‏ وَمَا الْعَلاَئِقُ يَا رَسُولَ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ مَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَقَعُ اسْمُ عَلَقٍ إلَّا عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يُتَمَوَّلُ وَإِنْ قَلَّ وَلاَ يَقَعُ اسْمُ مَالٍ وَلاَ عَلَقٍ إلَّا عَلَى مَا لَهُ قِيمَةٌ يُتَبَايَعُ بِهَا وَيَكُونُ إذَا اسْتَهْلَكَهَا مُسْتَهْلِكٌ أَدَّى قِيمَتَهَا وَإِنْ قَلَّتْ وَمَا لاَ يَطْرَحُهُ النَّاسُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِثْلَ الْفَلْسِ وَمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ وَالثَّانِي كُلُّ مَنْفَعَةٍ مُلِكَتْ وَحَلَّ ثَمَنُهَا، مِثْلُ كِرَاءِ الدَّارِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا تَحِلُّ أُجْرَتُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْقَصْدُ فِي الصَّدَاقِ أَحَبُّ إلَيْنَا وَأَسْتَحِبُّ أَنْ لاَ يُزَادَ فِي الْمَهْرِ عَلَى مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ وَبَنَاتِهِ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ طَلَبًا لِلْبَرَكَةِ فِي مُوَافَقَةِ كُلِّ أَمْرٍ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ «عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ سَأَلْت عَائِشَةَ كَمْ كَانَ صَدَاقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ قَالَتْ كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا قَالَتْ أَتَدْرِي مَا النَّشُّ‏؟‏ قُلْت لاَ قَالَتْ نِصْفُ أُوقِيَّةٍ»‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَسْهَمَ النَّاسَ الْمَنَازِلَ فَطَارَ سَهْمُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ تَعَالَ حَتَّى أُقَاسِمَك مَالِي وَأَنْزِلَ لَك عَنْ أَيِّ امْرَأَتَيَّ شِئْت وَأَكْفِيَك الْعَمَلَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي أَهْلِك وَمَالِك دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ فَخَرَجَ إلَيْهِ فَأَصَابَ شَيْئًا فَخَطَبَ امْرَأَةً فَتَزَوَّجَهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتهَا يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ‏؟‏ قَالَ عَلَى نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ قَالَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمْ سُقْت إلَيْهَا‏؟‏ قَالَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَكَانَ بَيِّنًا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ عَلَى النَّاكِحِ الْوَاطِئِ صَدَاقًا لِمَا ذَكَرْت فَفَرَضَ اللَّهُ فِي الْإِمَاءِ أَنْ يَنْكِحْنَ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَيُؤْتَيْنَ أُجُورُهُنَّ وَالْأَجْرُ الصَّدَاقُ وَبِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}‏ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ‏}‏ الآيَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ خَالِصَةً بِهِبَةٍ وَلاَ مَهْرَ فَاعْلَمْ أَنَّهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ فَأَيُّ نِكَاحٍ وَقَعَ بِلاَ مَهْرٍ فَهُوَ ثَابِتٌ وَمَتَى قَامَتْ الْمَرْأَةُ بِمَهْرِهَا فَلَهَا أَنْ يُفْرَضَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَكَذَلِكَ إنْ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلاَ يَخْرُجُ الزَّوْجُ مِنْ أَنْ يَنْكِحَهَا بِلاَ مَهْرٍ ثُمَّ يُطَلِّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَيَكُونَ لَهَا الْمُتْعَةُ وَذَلِكَ الْمَوْضِعُ الَّذِي أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الزَّوْجَ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ الْمُسَمَّى إذَا طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلُّ زَوْجَةٍ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ أَوْ ذِمِّيَّةٍ وَأَمَةٍ مُسْلِمَةٍ وَمُدَبَّرَةٍ وَمُكَاتَبَةٍ وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَكْمُلُ فِيهِ الْعِتْقُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ‏}‏ فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْفَرْضَ فِي ذَلِكَ إلَى الْأَزْوَاجِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ بِرِضَا الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْفَرْضَ عَلَى الزَّوْجِ لِلْمَرْأَةِ وَلاَ يَلْزَمُ الزَّوْجَ وَالْمَرْأَةَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا وَلَمْ يُحَدَّدْ فِيهِ شَيْءٌ فَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّدَاقَ مَا تَرَاضَى بِهِ الْمُتَنَاكِحَانِ كَمَا يَكُونُ الْبَيْعُ مَا تَرَاضَى بِهِ الْمُتَبَايِعَانِ وَكَذَلِكَ دَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَجُزْ فِي كُلِّ صَدَاقٍ مُسَمًّى إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا مِنْ الْأَثْمَانِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا أَوْ مُسْتَأْجَرًا بِثَمَنٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا وَمَا لَمْ يَجُزْ فِيهِمَا لَمْ يَجُزْ فِي الصَّدَاقِ فَلاَ يَجُوزُ الصَّدَاقُ إلَّا مَعْلُومًا وَمِنْ عَيْنٍ يَحِلُّ بَيْعُهَا نَقْدًا أَوْ إلَى أَجَلٍ وَسَوَاءٌ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ فَيَجُوزُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ عَلَى الدِّرْهَمِ وَعَلَى أَقَلَّ مِنْ الدِّرْهَمِ وَعَلَى الشَّيْءِ يَرَاهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الدِّرْهَمِ وَأَقَلُّ مَا لَهُ ثَمَنٌ إذَا رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ الْمَنْكُوحَةُ وَكَانَتْ مِمَّنْ يَجُوزُ أَمْرُهَا فِي مَالِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ يَجُوزُ أَنْ تَنْكِحَهُ عَلَى أَنْ يَخِيطَ لَهَا ثَوْبًا أَوْ يَبْنِيَ لَهَا دَارًا أَوْ يَخْدُمَهَا شَهْرًا أَوْ يَعْمَلَ لَهَا عَمَلاً مَا كَانَ أَوْ يُعَلِّمَهَا قُرْآنًا مُسَمًّى أَوْ يُعَلِّمَ لَهَا عَبْدًا وَمَا أَشْبَهَ هَذَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي قَدْ وَهَبْت نَفْسِي لَك فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلاً فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَك بِهَا حَاجَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ عِنْدَك مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا إيَّاهُ فَقَالَ مَا عِنْدِي إلَّا إزَارِي هَذَا قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ أَعْطَيْتهَا إيَّاهُ جَلَسْت لاَ إزَارَ لَك فَالْتَمِسْ لَهَا شَيْئًا فَقَالَ مَا أَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَقَالَ مَا أَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ قَالَ نَعَمْ سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ زَوَّجْتُكهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَخَاتَمُ الْحَدِيدِ لاَ يَسْوَى قَرِيبًا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَلَكِنْ لَهُ ثَمَنٌ يَتَبَايَعُ بِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبَلَغَنَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَدُّوا الْعَلاَئِقَ فَقَالُوا وَمَا الْعَلاَئِقُ‏؟‏ قَالَ مَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ» وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَنْ اسْتَحَلَّ بِدِرْهَمٍ فَقَدْ اسْتَحَلَّ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبَلَغَنَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ نِكَاحًا عَلَى نَعْلَيْنِ» وَبَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه قَالَ فِي ثَلاَثِ قَبَضَاتٍ مِنْ زَبِيبٍ مَهْرٌ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ قَالَ تَسَرَّى رَجُلٌ بِجَارِيَةٍ فَقَالَ رَجُلٌ هَبْهَا لِي فَذَكَرَ ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ لَمْ تَحِلَّ الْمَوْهُوبَةُ لِأَحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ أَصْدَقَهَا سَوْطًا فَمَا فَوْقَهُ جُوِّزَ، أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ سَأَلْت رَبِيعَةَ عَمَّا يَجُوزُ فِي النِّكَاحِ فَقَالَ دِرْهَمٌ فَقُلْت فَأَقَلُّ‏؟‏ قَالَ وَنِصْفٌ قُلْت فَأَقَلُّ‏؟‏ قَالَ نَعَمْ وَحَبَّةُ حِنْطَةٍ أَوْ قَبْضَةُ حِنْطَةٍ‏.‏

فِي الصَّدَاقِ بِعَيْنِهِ يَتْلَفُ قَبْلَ دَفْعِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى شَيْءٍ مُسَمًّى فَذَلِكَ لاَزِمٌ لَهُ إنْ مَاتَ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَوْ دَخَلَ بِهَا إنْ كَانَ نَقْدًا فَالنَّقْدُ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَالدَّيْنُ أَوْ كَيْلاً مَوْصُوفًا فَالْكَيْلُ أَوْ عَرْضًا مَوْصُوفًا فَالْعَرْضُ، وَإِنْ كَانَ عَرْضًا بِعَيْنِهِ مِثْلَ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ فَهَلَكَ ذَلِكَ فِي يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ قِيمَتِهِ يَوْمَ وَقَعَ عَلَيْهِ النِّكَاحُ وَذَلِكَ يَوْمَ مَلَكَتْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ لَهَا مَنْعًا فَإِنْ طَلَبَتْهُ فَمَنَعَهَا مِنْهُ فَهُوَ غَاصِبٌ وَلَهَا قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مَا كَانَتْ قِيمَتُهُ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إذَا أَصْدَقَهَا شَيْئًا فَتَلِفَ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ كَانَ لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا كَمَا لَوْ اشْتَرَتْ مِنْهُ شَيْئًا فَتَلِفَ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ رَجَعَتْ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَعْطَتْهُ وَهَكَذَا تَرْجِعُ بِبُضْعِهَا وَهُوَ ثَمَنُ الشَّيْءِ الَّذِي أَصْدَقَهَا إيَّاهُ وَهُوَ صَدَاقُ الْمِثْلِ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ وَهَذَا آخِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ فَإِنْ نَكَحَتْهُ عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ فَهَلَكَ فَلَهَا عَلَيْهِ مِثْلُ أَجْرِ خِيَاطَةِ ذَلِكَ الثَّوْبِ وَتُقَوَّمُ خِيَاطَتُهُ يَوْمَ نَكَحَهَا فَيَكُونُ عَلَيْهِ مِثْلُ أَجْرِهِ قَالَ الرَّبِيعُ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا قَالَ الرَّبِيعُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا أَصْدَقَهَا شَيْئًا فَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا حَتَّى تَلِفَ فِي يَدِهِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ صَدَاقِ مِثْلِهَا وَإِنَّمَا تَرْجِعُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي مَلَكَتْهُ بِبُضْعِهَا فَتَرْجِعُ بِثَمَنِ الْبُضْعِ كَمَا لَوْ اشْتَرَتْ شَيْئًا بِدِرْهَمٍ فَتَلِفَ الشَّيْءُ رَجَعَتْ بِاَلَّذِي أَعْطَتْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا الْعِوَضَ مِنْ ثَمَنِ الدِّرْهَمِ فَكَذَلِكَ تَرْجِعُ بِمَا أَعْطَتْ وَهُوَ الْبُضْعُ‏.‏ وَهُوَ صَدَاقُ الْمِثْلِ وَهُوَ آخِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ نَكَحَتْهُ عَلَى شَيْءٍ لاَ يَصْلُحُ عَلَيْهِ الْجُعْلُ، مِثْلُ أَنْ تَقُولَ نَكَحْتُك عَلَى أَنْ تَأْتِيَنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ أَوْ جَمَلِي الشَّارِدِ فَلاَ يَجُوزُ الشَّرْطُ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لِأَنَّ إتْيَانَهُ بِالضَّالَّةِ لَيْسَ بِإِجَارَةٍ تَلْزَمُهُ وَلاَ شَيْءَ لَهُ غَايَةً تُعْرَفُ وَتَمْلِيكُهَا إيَّاهُ بُضْعَهَا فَهُوَ مِثْلُ أَنْ تُعْطِيَهُ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَفْعَلَ أَحَدَ هَذَيْنِ فَإِذَا جَاءَهَا لِمَا جَعَلَتْ لَهُ عَلَيْهِ فَلَهُ الدِّينَارُ وَإِنْ لَمْ يَأْتِهَا بِهِ فَلاَ دِينَارَ لَهُ وَلاَ يَمْلِكُ الدِّينَارَ إلَّا بِأَنْ يَأْتِيَهَا بِمَا جَعَلَتْ لَهُ عَلَيْهِ وَهِيَ هُنَاكَ مَلَّكَتْهُ بُضْعَهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهَا بِمَا جَعَلَتْ لَهُ قَالَ وَمَا جَعَلْت لَهَا فِيهِ عَلَيْهِ الصَّدَاقَ إذَا مَاتَ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ إصَابَتِهَا أَوْ بَعْدَ إصَابَتِهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا فَطَلَّقَهَا فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى الَّذِي جَعَلَ لَهَا وَنِصْفُ الْعَيْنِ الَّتِي أَصْدَقَهَا إنْ كَانَ قَائِمًا وَإِنْ فَاتَ فَنِصْفُ صَدَاقِ مِثْلِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ فَيَهْلِكُ فَيَكُونُ لَهَا نِصْفُ صَدَاقِ مِثْلِهَا لِأَنَّ بُضْعَهَا الثَّمَنُ وَإِنْ انْتَقَصَتْ الْإِجَارَةُ بِهَلاَكِهِ كَانَ لَهَا نِصْفُ الَّذِي كَانَ ثَمَنًا لِلْإِجَارَةِ كَمَا يَكُونُ فِي الْبُيُوعِ قَالَ وَإِذَا أَوْفَاهَا مَا أَصْدَقَهَا فَأَعْطَاهَا ذَلِكَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ وَإِنْ هَلَكَ فَنِصْفُ مِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ الطَّعَامُ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مِثْلٌ فَمِثْلُ نِصْفِ قِيمَتِهِ‏.‏

فِيمَنْ دَفَعَ الصَّدَاقَ ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا أَصْدَقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَدَفَعَهَا إلَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَالدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ قَائِمَةٌ بِأَعْيَانِهَا لَمْ تُغَيَّرْ وَهُمَا يَتَصَادَقَانِ عَلَى أَنَّهَا هِيَ بِأَعْيَانِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهَا وَهَكَذَا إنْ كَانَتْ تِبْرًا مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ فَإِنْ تَغَيَّرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي يَدِهَا إمَّا بِأَنْ تَدْفِنَ الْوَرِقَ فَيَبْلَى فَيَنْقُصُ أَوْ تُدْخِلَ الذَّهَبَ النَّارَ فَيَنْقُصَ أَوْ تَصُوغَ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ فَتَزِيدَ قِيمَتُهُ أَوْ تَنْقُصَ فِي النَّارِ فَكُلُّ هَذَا سَوَاءٌ وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمِثْلِ نِصْفِهِ يَوْمَ دَفَعَهُ إلَيْهَا لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ بِالْعُقْدَةِ وَضَمِنَتْهُ بِالدَّفْعِ فَلَهَا زِيَادَتُهُ وَعَلَيْهَا نُقْصَانُهُ فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ فِي النُّقْصَانِ أَنَا آخُذُهُ نَاقِصًا فَلَيْسَ لَهَا دَفْعُهُ عَنْهُ إلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ إنْ كَانَ نُقْصَانُهُ فِي الْوَزْنِ وَزَادَ فِي الْعَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ فِي الزِّيَادَةِ فِي الْعَيْنِ وَإِنَّمَا زِيَادَتُهُ فِي مَالِهَا أَوْ تَشَاءُ هِيَ فِي الزِّيَادَةِ أَنْ تَدْفَعَهُ إلَيْهِ زَائِدًا غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ عَنْ حَالِهِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ‏.‏

قَالَ وَلَوْ كَانَ أَصْدَقَهَا حُلِيًّا مَصُوغًا أَوْ إنَاءً مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ فَانْكَسَرَ كَانَ كَمَا وَصَفْت لَهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ يَوْمَ دَفَعَهُ مَصُوغًا وَلَوْ كَانَ إنَاءَيْنِ فَانْكَسَرَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ الْآخَرُ صَحِيحًا كَانَ فِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِمَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لَهَا فِي الْإِنَاءِ الْبَاقِي وَيُضَمِّنَهَا نِصْفَ قِيمَةِ الْمُسْتَهْلَكِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الْبَاقِي وَيُضَمِّنُهَا نِصْفَ قِيمَةِ الْمُسْتَهْلَكِ لاَ شَيْءَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ‏.‏

وَلَوْ زَادَتْ هِيَ فِيهِمَا صِنَاعَةً أَوْ شَيْئًا أَدْخَلَتْهُ كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِمَا يَوْمَ دَفَعَهُمَا إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ الْإِنَاءَانِ مِنْ فِضَّةٍ فَانْكَسَرَا ثُمَّ طَلَّقَهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِمَا مَصُوغَيْنِ مِنْ الذَّهَبِ وَإِنْ كَانَا مِنْ ذَهَبٍ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهِمَا مَصُوغَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ لِأَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَرِقًا بِوَرِقٍ أَكْثَرَ وَزْنًا مِنْهَا وَلاَ يَتَفَرَّقَانِ حَتَّى يَتَقَابَضَا‏.‏

قَالَ وَلَوْ كَانَ الصَّدَاقُ فُلُوسًا أَوْ إنَاءً مِنْ نُحَاسٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ لاَ يَخْتَلِفُ هَذَا إلَّا فِي أَنَّ قِيمَةَ هَذَا كُلِّهِ عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ دَنَانِيرُ إنْ كَانَ أَوْ دَرَاهِمُ وَيُفَارِقُ الرَّجُلُ فِيهِ صَاحِبَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ قِيمَتَهَا لِأَنَّهُ لاَ يُشْبِهُ الصَّرْفَ وَلاَ مَا فِيهِ الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَصْدَقَهَا خَشَبَةً فَلَمْ تُغَيَّرْ حَتَّى طَلَّقَهَا كَانَ شَرِيكًا لَهَا بِنِصْفِهَا وَلَوْ تَغَيَّرَتْ بِبَلاَءٍ أَوْ عَفَنٍ أَوْ نَقْصٍ مَا كَانَ النَّقْصُ كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا صَحِيحَةً إلَّا أَنْ يَشَاءَ هُوَ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لَهَا بِنِصْفِ جَمِيعِ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَلاَ يَكُونُ لَهَا دَفْعُهُ عَنْ ذَلِكَ نَاقِصًا وَالْقَوْلُ فِي الْخَشَبَةِ، وَالْخَشَبَةُ مَعَهَا كَالْقَوْلِ فِي الْإِنَاءِ الذَّهَبِ وَالْآنِيَةِ إذَا هَلَكَ بَعْضٌ وَبَقِيَ بَعْضٌ‏.‏

وَكَذَلِكَ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهَا بِأَنْ تُعْمَلَ أَبْوَابًا أَوْ تَوَابِيتَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَتْ لَهَا وَرَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهَا يَوْمَ دَفَعَهَا وَإِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ نِصْفَهَا أَبْوَابًا وَتَجْعَلَهُ شَرِيكًا فِي نِصْفِهَا تَوَابِيتَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ وَإِنْ كَانَتْ التَّوَابِيتُ وَالْأَبْوَابُ أَكْثَرَ قِيمَةٍ مِنْ الْخَشَبِ لِأَنَّ الْخَشَبَ يَصْلُحُ لِمَا لاَ تَصْلُحُ لَهُ التَّوَابِيتُ وَالْأَبْوَابُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحَوِّلَ حَقَّهُ فِي غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ ثَمَنًا مِنْهُ وَلاَ يُشْبِهُ فِي هَذَا الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ الَّتِي هِيَ قَائِمَةٌ بِأَعْيَانِهَا لاَ يَصْلُحُ مِنْهَا شَيْءٌ لِمَا لاَ يَصْلُحُ لَهُ غَيْرُهَا وَهَكَذَا لَوْ أَصْدَقَهَا ثِيَابًا فَبَلِيَتْ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لَهَا بِالنِّصْفِ بَالِيَةً فَلاَ يَكُونُ لَهَا دَفْعُهُ عَنْهُ لِأَنَّ مَالَهُ نَاقِصٌ وَلَوْ أَصْدَقَهَا ثِيَابًا فَقَطَّعَتْهَا أَوْ صَبَغَتْهَا فَزَادَتْ فِي التَّقْطِيعِ أَوْ الصِّبْغِ أَوْ نَقْصِهَا كَانَ سَوَاءً وَيَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لَهَا فِي الثِّيَابِ الْمُقَطَّعَةِ أَوْ الْمَصْبُوغَةِ نَاقِصَةً أَوْ أَرَادَتْ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا لَهَا فِي الثِّيَابِ زَائِدَةً لَمْ يُجْبَرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَشَاءُ لِأَنَّ الثِّيَابَ غَيْرُ الْمُتَقَطِّعَةِ وَغَيْرُ الْمَصْبُوغَةِ تَصْلُحُ وَتُرَادُ لِمَا لاَ تَصْلُحُ لَهُ الْمَصْبُوغَةُ وَلاَ تُرَادُ فَقَدْ تَغَيَّرَتْ عَنْ حَالِهَا الَّتِي أَعْطَاهَا إيَّاهَا وَكَذَا لَوْ أَصْدَقَهَا غَزْلاً فَنَسَجَتْهُ رَجَعَ عَلَيْهَا بِمِثْلِ نِصْفِ الْغَزْلِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ رَجَعَ بِمِثْلِ نِصْفِ قِيمَتِهِ يَوْمَ دَفَعَهُ‏.‏

وَكُلُّ مَا قُلْت يَرْجِعُ بِمِثْلِ نِصْفِ قِيمَتِهِ فَإِنَّمَا هُوَ يَوْمَ يَدْفَعُهُ لاَ يَنْظُرُ إلَى نُقْصَانِهِ بَعْدُ وَلاَ زِيَادَتِهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَالِكَةً لَهُ يَوْمَ وَقَعَ الْعَقْدُ وَضَامِنَةً يَوْمَ وَقَعَ الْقَبْضُ إنْ طَلَّقَهَا فَنِصْفُهُ قَائِمًا أَوْ قِيمَةُ نِصْفِهِ مُسْتَهْلَكًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَصْدَقَهَا آجُرًّا فَبَنَتْ بِهِ أَوْ خَشَبًا فَأَدْخَلَتْهُ فِي بُنْيَانٍ أَوْ حِجَارَةٍ فَأَدْخَلَتْهَا فِي بُنْيَانٍ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِأَعْيَانِهَا فَهِيَ لَهَا وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهَا يَوْمَ دَفَعَهَا إلَيْهَا لِأَنَّهَا بَنَتْ مَا تَمْلِكُ وَإِنَّمَا صَارَ لَهُ النِّصْفُ بِالطَّلاَقِ وَقَدْ اسْتَعْمَلَتْ هَذَا وَهِيَ تَمْلِكُهُ فَلاَ يَخْرُجُ مِنْ مَوْضِعِهِ إلَّا أَنْ تَشَاءَ هِيَ وَإِنْ خَرَجَ بِحَالِهِ كَانَ شَرِيكًا فِيهِ وَإِنْ خَرَجَ نَاقِصًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى أَخْذِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَلَهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَإِذَا نَكَحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ عَلَى أَنْ يَخْدُمَ فُلاَنًا شَهْرًا فَخَدَمَهُ نِصْفَ شَهْرٍ ثُمَّ مَاتَ كَانَ لَهَا فِي مَالِهِ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَوْ نَكَحَتْهُ عَلَى أَنْ يَحْمِلَهَا عَلَى بَعِيرٍ بِعَيْنِهِ إلَى بَلَدٍ فَحَمَلَهَا إلَى نِصْفِ الطَّرِيقِ ثُمَّ مَاتَ الْبَعِيرُ كَانَ لَهَا فِي مَالِهِ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَنِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا كَالثَّمَنِ يَسْتَوْجِبُهُ بِهِ أَلاَ تَرَى أَنَّهَا لَوْ تَكَارَتْ مَعَهُ بَعِيرَهُ بِعَشْرَةٍ فَمَاتَ الْبَعِيرُ فِي نِصْفِ الطَّرِيقِ رَجَعَتْ بِخَمْسَةٍ‏.‏

صَدَاقُ مَا يَزِيدُ بِبَدَنِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَمَةً وَعَبْدًا صَغِيرَيْنِ وَدَفَعَهُمَا إلَيْهَا فَكَبِرَا أَوْ غَيْرَ عَالِمَيْنِ وَلاَ عَامِلَيْنِ فَعَلِمَا أَوْ عَمِلاَ أَوْ أَعْمَيَيْنِ فَأَبْصَرَا أَوْ أَبْرَصَيْنِ فَبَرِئَا أَوْ مَضْرُورَيْنِ أَيَّ ضَرَرٍ كَانَ فَذَهَبَ ضَرَرُهُمَا أَوْ صَحِيحَيْنِ فَمَرِضَا أَوْ شَابَّيْنِ فَكَبِرَا أَوْ اعْوَرَّا أَوْ نَقَصَا فِي أَبْدَانِهِمَا وَالنَّقْصُ وَالزِّيَادَةُ إنَّمَا هِيَ مَا كَانَ قَائِمًا فِي الْبَدَنِ لاَ فِي السُّوقِ بِغَيْرِ مَا فِي الْبَدَنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا كَانَا لَهَا وَكَانَ عَلَيْهَا أَنْ تُعْطِيَهُ أَنْصَافَ قِيمَتِهِمَا يَوْمَ قَبَضَتْهُمَا إلَّا أَنْ تَشَاءَ أَنْ تَدْفَعَهُمَا إلَيْهِ زَائِدَيْنِ فَلاَ يَكُونُ لَهُ إلَّا ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ غَيَّرَتْهُمَا بِأَنْ يَكُونَا صَغِيرَيْنِ فَكَبِرَا كِبَرًا بَعِيدًا مِنْ الصِّغَرِ فَالصَّغِيرُ يَصْلُحُ لِمَا لاَ يَصْلُحُ لَهُ الْكَبِيرُ فَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَا نَاقِصَيْنِ دَفَعَتْ إلَيْهِ أَنْصَافَ قِيمَتِهِمَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُمَا نَاقِصَيْنِ فَلَيْسَ لَهَا مَنْعُهُ إيَّاهُمَا لِأَنَّهَا إنَّمَا لَهَا مَنْعُهُ الزِّيَادَةَ فَأَمَّا النَّقْصُ عَمَّا دَفَعَ إلَيْهَا فَلَيْسَ لَهَا وَلَهَا إنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ فَكَبِرَا أَنْ تَمْنَعَهُ إيَّاهُمَا وَإِنْ كَانَا نَاقِصَيْنِ لِأَنَّ الصَّغِيرَ غَيْرُ الْكَبِيرِ وَأَنَّهُ يَصْلُحُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَا يَصْلُحُ لَهُ الْآخَرُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَا بِحَالِهِمَا إلَّا أَنَّهُمَا اعْوَرَّا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْعُهُ أَنْ يَأْخُذَهُمَا أَعْوَرَيْنِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَحَوُّلٍ مِنْ صِغَرٍ وَلاَ كِبَرٍ الْكَبِيرُ بِحَالِهِ وَالصَّحِيحُ خَيْرُ مِنْ الْأَعْوَرِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَقْضِ لَهُ الْقَاضِي بِأَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الْعَبْدِ فَإِذَا قَضَى لَهُ بِأَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الْعَبْدِ فَمَنَعَتْهُ فَهِيَ ضَامِنَةٌ لِمَا أَصَابَ الْعَبْدَ فِي يَدَيْهَا إنْ مَاتَ ضَمِنَتْ نِصْفَ قِيمَتِهِ أَوْ اعْوَرَّ أَخَذَ نِصْفَهُ وَضَمَّنَهَا نِصْفَ الْعَوَرِ فَعَلَى هَذَا الْباب كُلِّهِ وَقِيَاسِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالنَّخْلُ وَالشَّجَرُ الَّذِي يَزِيدُ وَيَنْقُصُ فِي هَذَا كُلِّهِ كَالْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ لاَ تُخَالِفُهَا فِي شَيْءٍ وَلَوْ كَانَ الصَّدَاقُ أَمَةً فَدَفَعَهَا إلَيْهَا فَوَلَدَتْ أَوْ مَاشِيَةً فَنَتَجَتْ فِي يَدَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا كَانَ لَهَا النِّتَاجُ كُلُّهُ وَوَلَدُ الْأَمَةِ إنْ كَانَتْ الْأَمَةُ وَالْمَاشِيَةُ زَائِدَةً أَوْ نَاقِصَةً فَهِيَ لَهَا وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْأَمَةِ وَالْمَاشِيَةِ يَوْمَ دَفَعَهَا إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الْأُمَّهَاتِ الَّتِي دَفَعَهَا إلَيْهَا نَاقِصَةً فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقْصُهَا مَعَ تَغَيُّرٍ مِنْ صِغَرٍ إلَى كِبَرٍ فَيَكُونُ نِصْفُهَا بِالْعَيْبِ أَوْ تَغَيَّرَ الْبَدَنُ وَإِنْ كَانَ نَقْصًا مِنْ وَجْهِ بُلُوغِ سِنِّ كِبَرٍ زَائِدٍ فِيهِ مِنْ وَجْهِ غَيْرِهِ وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَخْذُ الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا زَادَتْ فِي مَالِهَا لَهَا وَإِنْ كَانَ دَفَعَهَا كِبَارًا فَكَانَ نَقْصُهَا مِنْ كِبَرٍ أَوْ هَرَمٍ كَانَ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ الْهَرَمَ نَقْصٌ كُلُّهُ لاَ زِيَادَةٌ وَلاَ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ النَّاقِصِ إلَّا أَنْ يَشَاءَهُ‏.‏

وَهَكَذَا الْأَمَةُ إذَا وَلَدَتْ فَنَقَصَتْهَا الْوِلاَدَةُ فَاخْتَارَ أَخْذَ نِصْفِهَا نَاقِصَةً لاَ يَخْتَلِفَانِ فِي شَيْءٍ إلَّا أَنَّ أَوْلاَدَ الْأَمَةِ إنْ كَانُوا مَعَهَا صِغَارًا رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا لِئَلَّا يُفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَسْتَخْدِمُهَا فِيهِ لِأَنِّي لاَ أُجْبِرُهُ فِي يَوْمِهِ عَلَى أَنْ تُرْضِعَ مَمْلُوكَ غَيْرِهِ وَلاَ تَحْضُنَهُ فَتَشْتَغِلَ بِهِ عَنْ خِدْمَتِهِ وَلاَ أَمْنَعُ الْمَوْلُودَ الرَّضَاعَ فَأُضِرُّ بِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ أَجْعَلْ لَهُ إلَّا نِصْفَ قِيمَتِهَا، وَإِنْ كَانُوا كِبَارًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِ الْأُمِّ وَلاَ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهَا وَالِدًا عَلَى غَيْرِ حَالِهَا قَبْلَ أَنْ تَلِدَ وَإِنْ زَادَتْ بَعْدَ الْوِلاَدَةِ لَمْ تُجْبَرْ الْمَرْأَةُ عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُ نِصْفَهَا وَتُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَتِهَا، وَإِذَا أَعْطَتْهُ نِصْفَهَا مُتَطَوِّعَةً أَوْ كَانَتْ غَيْرَ زَائِدَةٍ فُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَسْتَخْدِمُهَا فِيهِ، فَإِذَا صَارَ إلَيْهِ نِصْفُهَا فَمَا وَلَدَتْ بَعْدُ مِنْ وَلَدٍ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَكَذَا إنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ وَالْمَاشِيَةُ وَالْعَبِيدُ الَّذِينَ أَصْدَقَهَا أَغَلُّوا لَهَا غَلَّةً أَوْ كَانَ الصَّدَاقُ نَخْلاً فَأَثْمَرَ لَهَا فَمَا أَصَابَتْهُ مِنْ ثَمَرِهِ كَانَ لَهَا كُلُّهُ دُونَهُ لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ حُبْلَى أَوْ الْمَاشِيَةُ مَخَاضًا ثُمَّ طَلَّقَهَا كَانَ لَهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا يَوْمَ دَفَعَهَا لِأَنَّهُ حَادِثٌ فِي مِلْكِهَا وَلاَ أُجْبِرُهُ أَيْضًا إنْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى أَخْذِ الْجَارِيَةِ حُبْلَى أَوْ الْمَاشِيَةِ مَخَاضًا مِنْ قِبَلِ الْخَوْفِ عَلَى الْحَبَلِ وَأَنَّ غَيْرَ الْمَخَاضِ يَصْلُحُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ الْمَخَاضُ وَلاَ نُجْبِرُهَا إنْ أَرَادَ عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُ جَارِيَةً حُبْلَى وَمَاشِيَةً مَخَاضًا وَهِيَ أَزْيَدُ مِنْهَا غَيْرُ حُبْلَى وَلاَ مَاخِضٌ فِي حَالٍ وَالْجَارِيَةُ أَنْقَصُ فِي حَالٍ وَأَزْيَدُ فِي أُخْرَى‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ كَانَ الصَّدَاقُ نَخْلاً فَدَفَعَهَا إلَيْهَا لاَ تَمْرَ فِيهَا فَأَثْمَرَتْ فَالثَّمَرَةُ كُلُّهَا لَهَا كَمَا يَكُونُ لَهَا نِتَاجُ الْمَاشِيَةِ وَغَلَّةُ الرَّقِيقِ وَوَلَدُ الْأَمَةِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَالنَّخْلُ زَائِدَةٌ رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَةِ النَّخْلِ يَوْمَ دَفَعَهَا إلَيْهَا إلَّا أَنْ تَشَاءَ أَنْ تُعْطِيَهُ نِصْفَهَا زَائِدَةً بِالْحَالِ الَّتِي أَخَذَتْهَا بِهِ فِي الشَّباب لاَ يَكُونُ لَهَا إلَّا نِصْفُهَا وَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً وَقَدْ ذَبَلَتْ وَذَهَبَ شَبَابُهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا وَإِنْ زَادَتْ يَوْمَهَا ذَلِكَ بِثَمَرَتِهَا فَهِيَ مُتَغَيِّرَةٌ إلَى النَّقْصِ فِي شَبَابِهَا فَلاَ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَإِنَّمَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إذَا دَفَعَتْهَا مِثْلَ حَالِهَا حِينَ قَبَضَتْهَا فِي الشَّباب أَوْ أَحْسَنَ وَلَمْ تَكُنْ نَاقِصَةً مِنْ قِبَلِ الترقيل لِلنَّقْصِ فِيهِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا وَلَمْ يَتَغَيَّرْ شَبَابُهَا أَوْ قَدْ نَقَصَتْ وَهِيَ مُطْلِعَةٌ فَأَرَادَ أَخْذَ نِصْفِهَا بِالطَّلْعِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَتْ مُطْلِعَةً كَالْجَارِيَةِ الْحُبْلَى وَالْمَاشِيَةِ الْمَاخِضِ لاَ يَكُونُ لَهُ أَخْذُهَا لِزِيَادَةِ الْحَبَلِ وَالْمَاخِضِ مُخَالَفَةً لَهَا فِي أَنَّ الْإِطْلاَعَ لاَ يَكُونُ مُغَيِّرًا لِلنَّخْلِ عَنْ حَالٍ أَبَدًا إلَّا بِالزِّيَادَةِ وَلاَ تَصْلُحُ النَّخْلُ غَيْرُ الْمُطْلِعَةِ لِشَيْءٍ لاَ تَصْلُحُ لَهُ مُطْلِعَةٌ فَإِنْ شَاءَتْ أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ نِصْفَهَا مُطْلِعَةً فَلَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ لِمَا وَصَفْت مِنْ خِلاَفِ النَّخِيلِ لِلنِّتَاجِ وَالْحَمْلِ فِي أَنْ لَيْسَ فِي الطَّلْعِ إلَّا زَائِدٌ وَلَيْسَ مُغَيِّرًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِنْ كَانَ النَّخْلُ قَدْ أَثْمَرَ وَبَدَا صَلاَحُهُ فَهَكَذَا وَكَذَلِكَ كُلُّ شَجَرٍ أَصْدَقَهَا إيَّاهُ فَأَثْمَرَ لاَ يَخْتَلِفُ يَكُونُ لَهَا وَلَهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ إلَّا أَنْ تَشَاءَ هِيَ أَنْ تُسَلِّمَ لَهُ نِصْفَهُ وَنِصْفَ الثَّمَرَةِ فَلاَ يَكُونُ لَهُ إلَّا ذَلِكَ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الشَّجَرُ بِأَنْ يُرْقَل وَيَصِيرَ فِحَامًا فَإِذَا صَارَ فِحَامًا أَوْ نَقَصَ بِعَيْبٍ دَخَلَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِتِلْكَ الْحَالِ‏.‏

وَلَوْ شَاءَتْ هِيَ إذَا طَلَّقَهَا وَالشَّجَرُ مُثْمِرٌ أَنْ تَقُولَ أَقْطَعُ الثَّمَرَةَ وَيَأْخُذُ نِصْفَ الشَّجَرِ كَانَ لَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قَطْعِ الثَّمَرَةِ فَسَادٌ لِلشَّجَرِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَسَادٌ لَهَا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهَا مَعِيبَةً إلَّا أَنْ يَشَاءَ، وَلَوْ شَاءَتْ أَنْ تَتْرُكَ الشَّجَرَةَ حَتَّى تَسْتَجْنِيَهَا وَتَجُدَّهَا ثُمَّ تَدْفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ الشَّجَرِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الشَّجَرَ قَدْ يَهْلِكُ إلَى ذَلِكَ وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ حَالًّا فَيُؤَخِّرَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَيَأْخُذَهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا إذَا لَمْ يَتَرَاضَيَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُؤَخِّرَهَا حَتَّى تَجُدَّ الثَّمَرَةَ ثُمَّ يَأْخُذَ نِصْفَ الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَيْهَا مِنْ وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ الشَّجَرَ وَالنَّخْلَ يَزِيدُ إلَى الْجِدَادِ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَهَا وَفِيهَا الزِّيَادَةُ وَكَانَ مَحُولاً دُونَهَا كَانَتْ مَالِكَةً لَهَا دُونَهُ وَكَانَ حَقُّهُ قَدْ تَحَوَّلَ فِي قِيمَتِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ يَحُولَ إلَى غَيْرِ مَا وَقَعَ لَهُ عِنْدَ الطَّلاَقِ وَلاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ‏.‏

صَدَاقُ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ لاَ يُدْفَعُ حَتَّى يَزِيدَ أَوْ يَنْقُصَ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَمَةً أَوْ مَاشِيَةً فَلَمْ يَدْفَعْهَا إلَيْهَا حَتَّى تَنَاتَجَتْ فِي يَدَيْهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا كَانَ لَهَا النِّتَاجُ كُلُّهُ دُونَهُ لِأَنَّهُ نَتَجَ فِي مِلْكِهَا وَنُظِرَ إلَى الْمَاشِيَةِ فَإِنْ كَانَتْ بِحَالِهَا يَوْمَ أَصْدَقهَا إيَّاهَا وَأَزْيَدَ فَهِيَ لَهَا وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْمَاشِيَةِ دُونَ النِّتَاجِ، وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً عَنْ حَالِهَا يَوْمَ أَصْدَقَهَا إيَّاهَا كَانَ لَهَا الْخِيَارُ فَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ مِنْهُ أَنْصَافَ قِيمَتِهَا يَوْمَ أَصْدَقَهَا إيَّاهَا وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ أَنْصَافَهَا نَاقِصَةً، وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً فَوَلَدَتْ أَوْ عَبِيدًا فَأَغْلَوْا قَالَ الرَّبِيعُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهَا إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ نِصْفَهَا نَاقِصَةً وَإِنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيْهِ وَآخِرُ قَوْلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ كَانَ النِّتَاجُ أَوْ وَلَدُ الْجَارِيَةِ هَلَكَ فِي يَدَيْهِ أَوْ نَقَصَ وَقَدْ سَأَلَتْهُ دَفْعَهُ فَمَنَعَهَا مِنْهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ فِي أَكْثَرِ مَا كَانَتْ قِيمَةٌ قَطُّ وَضَامِنٌ لِنَقْصِهِ وَيَدْفَعُهُ كَضَمَانِ الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ فَمَنَعَهُ وَلَمْ يَدْفَعْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ عَرَضَ عَلَيْهَا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهَا الْأَمَةَ فَأَقَرَّتْهَا فِي يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهَا مِنْهُ أَوْ لَمْ يَمْنَعْهَا دَفْعَهَا وَلَمْ تَسْأَلْهُ إيَّاهَا كَانَ فِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لاَ يَضْمَنُ الْجَارِيَةَ إنْ نَقَصَتْ وَتَكُونُ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ تَأْخُذَهَا نَاقِصَةً أَوْ تَدَعَهَا فَإِنْ مَاتَتْ رَجَعَتْ بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ كَالْغَاصِبِ وَلَكِنَّهُ لاَ يَأْثَمُ إثْمَ الْغَاصِبِ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ وَلاَ يُخْرِجُهُ مِنْ الضَّمَانِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهَا أَوْ إلَى وَكِيلٍ لَهَا بِإِذْنِهَا فَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهَا أَوْ إلَى وَكِيلٍ لَهَا بِإِذْنِهَا ثُمَّ رَدَّتْهُ إلَيْهِ بَعْدُ فَهُوَ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ لاَ يَضْمَنُ شَيْئًا مِنْهُ بِحَالٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا فَتَرُدُّهُ إلَيْهِ فَمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِهِ وَمَتَى جَنَى عَلَيْهِ فِي يَدَيْهِ إنْسَانٌ فَأَخَذَ لَهُ أَرْشًا فَلَهَا الْخِيَارُ إنْ أَحَبَّتْ فَلَهَا الْأَرْشُ لِأَنَّهُ مِلْكٌ بِمَالِهَا وَإِنْ أَحَبَّتْ تَرَكَتْهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ عَمَّا مَلَكَتْهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَنَعَهَا مِنْهُ فَأَحَبَّتْ ضَمَّنَتْ الزَّوْجَ مَا نَقَصَ فِي يَدَيْهِ قَالَ وَمَا بَاعَ الزَّوْجُ مِنْهُ أَوْ مِنْ نِتَاجِ الْمَاشِيَةِ فَوُجِدَ بِعَيْنِهِ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ وَإِنْ فَاتَ فَلَهَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَ بِهِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ وَأَنَّ الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ لَوْ وُجِدَ كَانَ الْبَيْعُ فِيهِ مَرْدُودًا وَلَوْ أَرَادَتْ إجَازَةَ الْبَيْعِ فِيهِ إنْ كَانَ قَائِمًا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَلاَ يَحِلُّ لَهُ هُوَ أَنْ يَمْلِكَهُ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فَلاَ يُخْرِجُهُ مِنْهُ إلَّا رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي بَاعَهُ أَوْ أَنْ يَهَبَهُ لَهُ صَاحِبُهُ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا لَقِيَ صَاحِبَهُ وَقَدْ فَاتَتْ السِّلْعَةُ فِي يَدَيْهِ فَالْمُشْتَرِي ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا يُقَاصُّهُ بِهَا مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي تَبَايَعَا بِهِ وَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ عِنْدَ أَيِّهِمَا كَأَنْ كَانَ ثَمَنُهَا مِائَةَ دِينَارٍ وَقِيمَتُهَا ثَمَانُونَ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِعِشْرِينَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ ثَمَنُهَا ثَمَانِينَ وَقِيمَتُهَا مِائَةً رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي الَّذِي هَلَكَتْ فِي يَدَيْهِ بِعِشْرِينَ قَالَ وَإِنَّمَا فَرَّقْت بَيْنَ ثَمَنِ مَا بَاعَ مِنْ مَالِهَا وَبَيْنَ أَرْشِ مَا أَخَذَ فِيمَا جَنَى عَلَى مَالِهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا هِيَ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِيمَا جَنَى عَلَى مَالِهَا إلَّا الْأَرْشُ أَوْ تَرْكُهُ وَلَهَا فِيمَا بِيعَ مِنْ مَالِهَا أَنْ تَرُدَّهُ بِعَيْنِهِ وَإِنْ فَاتَ فَلَهَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَلاَ يَكُونُ لَهَا أَنْ تَمْلِكَ ثَمَنَهُ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا إجَازَةُ بَيْعِهِ، وَالْفَضْلُ عَنْ ثَمَنِهِ لِمُبْتَاعِهِ الْبَيْع الَّذِي لاَ يَجُوزُ لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لَهُ بِالْقِيمَةِ‏.‏

قَالَ وَلَوْ أَصْدَقَهَا نَخْلاً أَوْ شَجَرًا فَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا حَتَّى أَثْمَرَتْ فِي يَدَيْهِ فَجَعَلَ الثَّمَرَ فِي قَوَارِيرَ جَعَلَ عَلَيْهِ صَقْرًا مِنْ صَقْرِ نَخْلِهَا أَوْ جَعَلَهُ فِي قِرَبٍ كَانَ لَهَا أَخْذُ الثَّمَرِ بِالصَّقْرِ وَأَخْذُهُ مَحْشُوًّا وَلَهُ نَزْعُهُ مِنْ الْقَوَارِيرِ وَالْقِرَبِ لِأَنَّهَا لَهُ إنْ كَانَ نَزْعُهُ لاَ يَضُرُّ بِالثَّمَرِ فَإِنْ كَانَ إذَا نُزِعَ مِنْ الْقِرَبِ فَسَدَ وَلَمْ يَكُنْ سُقِيَ بِشَيْءٍ عُمِلَ بِهِ كَانَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَهُ وَتَنْزِعَ عَنْهُ قِرَبَهُ وَتَأْخُذَ مِنْهُ مَا نَقَصَهُ لِأَنَّهُ أَفْسَدَهُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِتَرْكِهَا وَهَكَذَا كُلُّ ثَمَرَةٍ رَبَّبَهَا أَوْ حَشَاهَا عَلَى مَا وَصَفْت وَإِنْ كَانَ رَبَّبَ الثَّمَرَةَ بِرُبٍّ مِنْ عِنْدِهِ كَانَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ الثَّمَرَةَ وَتَنْزِعَ عَنْهَا الرُّبَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ لاَ يَضُرُّ بِهَا وَلاَ يَنْقُصُهَا شَيْئًا وَإِنْ كَانَ يَنْقُصُهَا شَيْئًا نَزَعَتْ عَنْهَا الرُّبَّ وَأَخَذَتْ قِيمَةَ مَا نَقَصَهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَأُجْرَةَ نَزْعِهَا مِنْ الرُّبِّ لِأَنَّهُ الْمُتَعَدِّي فِيهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكُلُّ مَا أُصِيبَتْ بِهِ الثَّمَرَةُ فِي يَدَيْهِ مِنْ حَرِيقٍ أَوْ جَرَادٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ فَمِثْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ فَمِثْلُ قِيمَتِهِ وَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ فَقِيمَةُ مَا نَقَصَهُ وَهُوَ كَالْغَاصِبِ فِيمَا لاَ يَضْمَنُ لاَ يُخَالِفُ حَالُهُ فِي شَيْءٍ إلَّا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ يُعْذَرُ فِيهِ بِالشُّبْهَةِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَجْهَلُ أَوْ تَأَوَّلَ فَأَخْطَأَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ أَصْدَقَهَا جَارِيَةً فَأَصَابَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَالَ كُنْت أَرَاهَا لاَ تَمْلِكُ إلَّا نِصْفَهَا حَتَّى تَدْخُلَ فَأَصَبْتهَا وَأَنَا أَرَى أَنَّ لِي نِصْفَهَا قُوِّمَ الْوَلَدُ عَلَيْهِ يَوْمَ يَسْقُطُ وَيَلْحَقُ بِهِ نَسَبُهُ وَكَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِ الْجَارِيَةِ وَإِنْ شَاءَتْ أَنْ تَسْتَرِقَّ الْجَارِيَةَ فَهِيَ لَهَا وَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ قِيمَتَهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ أَصْدَقَهَا أَوْ يَوْمَ أَحَبَلَهَا وَكَانَتْ الْجَارِيَةُ لَهُ وَلاَ تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ بِذَلِكَ الْوَلَدِ وَلاَ تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إلَّا بِوَطْءٍ صَحِيحٍ وَإِنَّمَا جَعَلْت لَهَا الْخِيَارَ لِأَنَّ الْوِلاَدَةَ تُغَيِّرُهَا عَنْ حَالِهَا يَوْمَ أَصْدَقَهَا إيَّاهَا قَبْلَ أَنْ تَلِدَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَصْدَقهَا أَرْضًا فَدَفَعَهَا إلَيْهَا فَزَرَعَتْهَا أَوْ أَزْرَعَتْهَا أَوْ وَضَعَتْ فِيهَا حِبَابًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَفِيهَا زَرْعٌ قَائِمٌ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ الْأَرْضِ لاَ أَجْعَلُ حَقَّهُ فِي الْأَرْضِ مُسْتَأْخَرًا وَهُوَ حَالٌّ وَلاَ أَجْعَلُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْتَظِرَ الْأَرْضَ حَتَّى تَفْرُغَ ثُمَّ يَأْخُذَ نِصْفَهَا لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مَشْغُولَةً فِي مِلْكِهَا فَصَارَ حَقُّهُ فِي قِيمَةٍ لَمْ يَتَحَوَّلْ فِي غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى ذَلِكَ جَمِيعًا فَيَجُوزُ مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ فِيهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ حَرَثَتْهَا وَلَمْ تَزْرَعْهَا وَلَوْ كَانَتْ غَرَسَتْهَا أَوْ بَنَتْ فِيهَا كَانَ لَهُ قِيمَتُهَا يَوْمَ دَفَعَهَا إلَيْهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ كَانَتْ زَرَعَتْهَا وَحَصَدَتْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَهِيَ مَحْصُودَةٌ فَلَهُ نِصْفُ هَذِهِ الْأَرْضِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ فِيهَا زَائِدًا لَهَا فَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا زَائِدَةً إلَّا أَنْ تَشَاءَ هِيَ فَلاَ يَكُونُ لَهُ غَيْرُهَا وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ نَقَصَهَا فَلَهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهَا نَاقِصَةً إلَّا أَنْ يَشَاءَ هُوَ أَخْذَهَا فَإِذَا شَاءَ هُوَ أَخْذَهَا وَهِيَ نَاقِصَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْعُهُ مِنْ نِصْفِهَا‏.‏

الْمَهْرُ وَالْبَيْعُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ نَكَحَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُ عَبْدًا يَسْوَى أَلْفًا فَدَفَعَتْ إلَيْهِ وَدَفَعَ إلَيْهَا الْأَلْفَ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَهْرَ الْمُسَمَّى كَالْبَيْعِ فَلاَ يَخْتَلِفُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي شَرْطِهِ مُسَمًّى مَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ وَيُرَدُّ فِيهِ مَا يُرَدُّ فِي الْبَيْعِ فَبِهَذَا أَجَزْنَا أَنْ يَكُونَ مَعَ النِّكَاحِ مَبِيعٌ غَيْرُهُ وَلَمْ نَرُدَّهُ لِأَنَّهُ يُمْلَكُ كُلُّهُ فَإِنْ انْتَقَضَ الْمِلْكُ فِي الصَّدَاقِ بِالطَّلاَقِ فَقَدْ يُنْتَقَضُ فِي الْبَيْعِ بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ لاَ نَمْنَعُ مَا فِيهِ الشُّفْعَةُ أَنْ يَكُونَ كَالْبُيُوعِ فِيمَا سِوَى هَذَا قَالَ وَهَذَا جَائِزٌ لاَ نَفْسَخُ صَدَاقَهَا وَلاَ نَرُدُّهُ إلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا وَهُوَ عَلَى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لاَ يَكُونُ مَعَ الصَّدَاقِ بَيْعٌ وَإِذَا وَقَعَ مِثْلُ هَذَا أَثْبَتْنَا النِّكَاحَ وَكَانَ لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا وَرُدَّ الْبَيْعُ إنْ كَانَ قَائِمًا‏.‏

وَإِذَا كَانَ مُسْتَهْلَكًا فَقِيمَتُهُ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ قَالَ وَأَصْلُ مَعْرِفَةِ هَذَا أَنْ تَعْرِفَ قِيمَةَ الْعَبْدِ الَّذِي مَلَّكَتْهُ هِيَ زَوْجَهَا مَعَ تَمْلِيكِهَا إيَّاهُ عَقْدَ نِكَاحِهَا فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفًا وَصَدَاقُ مِثْلِهَا أَلْفًا فَأَقْسِمُ الْمَهْرَ وَهُوَ أَلْفٌ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ وَعَلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا فَيَكُونُ الْعَبْدُ مَبِيعًا بِخَمْسِمِائَةٍ وَيَكُونُ صَدَاقُهَا خَمْسَمِائَةٍ فَيَنْفُذُ الْعَبْدُ مَبِيعًا بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِنْ قَبَضَ الْعَبْدَ وَدَفَعَ إلَيْهَا الْأَلْفَ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا مِنْ الصَّدَاقِ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَذَلِكَ نِصْفُ مَا أَصْدَقَهَا وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِهَا قَبْلَ يَقْبِضُهُ انْتَقَضَ فِيهِ الْبَيْعُ وَرَجَعَ عَلَيْهَا بِقِيمَةِ خَمْسِمِائَةٍ وَكَانَ الْبَاقِي صَدَاقَهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا مِنْ الصَّدَاقِ بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَ الصَّدَاقَ دَفَعَ إلَيْهَا مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَلَوْ لَمْ يَمُتْ الْعَبْدُ وَلَكِنَّهُ دَخَلَهُ الْعَيْبُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي أَخْذِهِ مَعِيبًا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ نَقْضِ الْبَيْعِ فِيهِ‏.‏

قَالَ وَلَوْ كَانَ أَصْدَقَهَا عَبْدًا بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ زَادَتْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفًا وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا وَزِيَادَتُهَا إيَّاهُ أَلْفًا فَلَهَا نِصْفُ الْعَبْدِ بِالصَّدَاقِ وَنِصْفُهُ الْآخَرُ بِالْأَلْفِ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا رُبُعُ الْعَبْدِ وَكَانَ لَهَا ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِهِ نِصْفُهُ بِالْأَلْفِ وَرُبُعُهُ بِنِصْفِ الْمَهْرِ قَالَ وَمَنْ أَجَازَ هَذَا قَالَ إنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَنْقُضَ الْبَيْعَ كُلَّهُ إذَا انْتَقَضَ بَعْضُهُ بِالطَّلاَقِ أَنِّي جَعَلْت مَا أَعْطَاهَا مَقْسُومًا عَلَى الصَّدَاقِ وَالْبَيْعِ فَمَا أَصَابَ الصَّدَاقَ وَنِصْفَ الصَّدَاقِ كَالْمُسْتَهْلَكِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لاَ يُرَدُّ كَمَا تُرَدُّ الْبُيُوعُ فَلَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أَرُدَّ الْبَيْعَ كُلَّهُ وَبَعْضُهُ مُسْتَهْلَكٌ إنَّمَا أَرُدُّ الْبَيْعَ كُلَّهُ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فَإِذَا ذَهَبَ بَعْضُهُ لَمْ أَرُدَّ الْبَاقِيَ مِنْهُ بِحَالٍ فَأَكُونُ قَدْ نَقَضْت الْبَيْعَةَ وَرَدَدْت بَعْضَهَا دُونَ بَعْضٍ‏.‏

قَالَ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُ عَبْدًا بِعَيْنِهِ وَمِائَةَ دِينَارٍ وَتَقَابَضَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا وَيُنْظَرُ إلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ الَّذِي تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ مَعَ الْأَلْفِ فَإِنْ كَانَ أَلْفًا فَالصَّدَاقُ أَلْفَانِ فَيُقْسَمُ الْأَلْفَانِ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَالْعَبْدِ الَّذِي أَعْطَتْهُ وَالْمِائَةَ الدِّينَارَ فَإِنْ كَانَ صَدَاقُ مِثْلِهَا أَلْفًا وَقِيمَةُ الْعَبْدِ الَّذِي أَعْطَتْهُ أَلْفًا وَقِيمَةُ الْمِائَةِ الدِّينَارِ أَلْفَيْنِ فَالْعَبْدُ الَّذِي أَعْطَتْهُ مَبِيعٌ بِخَمْسِمِائَةٍ وَالْمِائَةُ الدِّينَارُ مَبِيعَةٌ بِأَلْفٍ وَصَدَاقُهَا خَمْسُمِائَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْعَبْدِ الَّذِي أَصْدَقَهَا وَالدَّرَاهِمُ الْأَلْفُ يُمْلَكُ بِكُلِّ شَيْءٍ فَمَا أَعْطَتْهُ مِنْ عُقْدَتِهَا وَالْعَبْدُ وَالْمِائَةُ الدِّينَارُ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ مِنْ الْعَبْدِ وَالْأَلْفِ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا سَلَّمَتْ لَهُ الْمِائَةَ وَالْعَبْدَ وَرَجَعَ عَلَيْهَا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فِي كُلِّ مَا أَعْطَاهَا مِنْ الْعَبْدِ بِحِصَّتِهِ وَمِنْ الْأَلْفِ بِحِصَّتِهَا، فَيَكُونُ لَهُ مِنْ الْأَلْفِ الَّتِي أَعْطَاهَا مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرِينَ، وَمِنْ الْعَبْدِ قِيمَةُ مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَذَلِكَ ثَمَنُهُ، وَإِنْ كَانَا لَمْ يَتَقَابَضَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَسَدَ الصَّدَاقُ لِأَنَّ فِيهِ صَرْفًا مُسْتَأْخَرًا وَمَا كَانَ فِيهِ صَرْفٌ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَتَقَابَضَا وَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا، قَالَ‏:‏ وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَلْفًا عَلَى أَنْ رَدَّتْ إلَيْهِ أَلْفًا أَوْ خَمْسَمِائَةٍ كَانَ النِّكَاحُ ثَابِتًا وَالصَّدَاقُ بَاطِلاً وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لاَ تَجُوزُ الدَّرَاهِمُ بِالدَّرَاهِمِ إلَّا مَعْلُومَةً وَمِثْلاً بِمِثْلٍ، وَأَقَلُّ مَا فِي هَذَا أَنَّ الْخَمْسَمِائَةِ وَقَعَتْ مِنْ الْأَلْفِ بِمَا لاَ يُعْرَفُ عِنْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَلاَ تَرَى أَنَّ مَهْرَ مِثْلِهَا يَكُونُ أَلْفًا فَتَكُونُ الْخَمْسُمِائَةِ بِثُلُثِ الْأَلْفِ وَيَكُونُ مِائَةً فَتَكُونُ الْخَمْسُمِائَةِ بِتِسْعِمِائَةٍ، وَلَوْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسَمِائَةٍ لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ وَلاَ يُدْرَى كَمْ حِصَّةُ الدَّرَاهِمِ الَّتِي أَعْطَتْهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي أَعْطَاهَا وَلاَ يَصْلُحُ فِيهِمَا حَتَّى يُفَرَّقَ فِيهِ عَقْدُ الصَّرْفِ مِنْ عَقْدِ الْبَيْعِ فَتَكُونُ الدَّرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ مِثْلِهَا وَزْنًا بِوَزْنٍ وَيَكُونُ الصَّدَاقُ مَعْلُومًا غَيْرَهَا‏.‏

قَالَ وَإِذَا كَانَتْ الدَّنَانِيرُ بِدَرَاهِمَ فَكَانَتْ نَقْدًا يَتَقَابَضَانِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ يَدًا بِيَدٍ، قَالَ‏:‏ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ثِيَابٍ تَسْوَى أَلْفًا عَلَى أَنْ زَادَتْهُ أَلْفًا وَكَانَ صَدَاقُ مِثْلِهَا أَلْفًا فَكَانَ نِصْفُ الثِّيَابِ بَيْعًا لَهَا بِالْأَلْفِ وَنِصْفُهَا صَدَاقَهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا ثَلاَثَةُ أَرْبَاعِ الثِّيَابِ نِصْفُهَا بِالْبَيْعِ وَنِصْفُ النِّصْفِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ قَالَ الرَّبِيعُ هَذَا كُلُّهُ مَتْرُوكٌ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَجَعَ عَنْهُ إلَى قَوْلٍ آخَرَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَمْ يَكُنْ دَفَعَ الثِّيَابَ إلَيْهَا حَتَّى هَلَكَتْ فِي يَدَيْهِ وَرَدَّ عَلَيْهَا الْأَلْفَ الَّتِي قَبَضَ مِنْهَا إنْ كَانَ قَبَضَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهَا لَمْ يُدْفَعْ إلَيَّ مِنْهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ قَدْ هَلَكَ مَا اشْتَرَتْ مِنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَلاَ يَلْزَمُهَا ثَمَنُهُ وَأَعْطَاهَا نِصْفَ مَهْرِ مِثْلِهَا مِنْ قِيمَةِ الثِّيَابِ وَذَلِكَ رُبُعُ قِيمَةِ الثِّيَابِ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا فَعَلَى هَذَا هَذَا الْباب كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَبِيهَا وَأَبُوهَا يَسْوَى أَلْفًا أَوْ عَلَى ابْنِهَا وَابْنُهَا يَسْوَى أَلْفًا عَلَى أَنْ زَادَتْهُ أَلْفًا وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ فَدَفَعَ إلَيْهَا أَبَاهَا أَوْ لَمْ يَدْفَعْهُ فَسَوَاءٌ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَالْمَهْرُ جَائِزٌ وَأَبُوهَا سَاعَةَ مَلَكَتْهُ حُرٌّ لِأَنَّ مِلْكَهَا إيَّاهُ سَاعَةَ مِلْكِ عُقْدَةِ نِكَاحِهَا وَكَذَلِكَ ابْنُهَا إنْ كَانَ هُوَ الصَّدَاقَ وَيَلْزَمُهَا أَنْ تُعْطِيَهُ الْأَلْفَ الَّتِي زَادَتْهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَذَلِكَ نِصْفُ صَدَاقِهَا لِأَنَّ أَبَاهَا كَانَ بِيعَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَسَلِمَ لَهَا حِينَ عَتَقَ فَصَارَ صَدَاقُهَا خَمْسَمِائَةٍ فَرَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهَا وَهُوَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَأَرَاك أَنْزَلْت صَدَقَاتِ النِّكَاحِ مَنْزِلَةَ الْبُيُوعِ وَأَنْتَ تَقُولُ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَيَكُونُ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ بِالْخِيَارِ فِي الصَّدَاقِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، قِيلَ لاَ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا‏؟‏ قِيلَ إنَّا لَمَّا جَعَلْنَا وَلَمْ يُخَالِفْنَا أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ النِّكَاحَ كَالْبُيُوعِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فَقُلْنَا إذَا كَانَ الصَّدَاقُ مَجْهُولاً فَلِلْمَرْأَةِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلاَ يُرَدُّ النِّكَاحُ كَمَا قُلْنَا فِي الْبَيْعِ بِالشَّيْءِ الْمَجْهُولِ يَهْلِكُ فِي يَدَيْ الْمُشْتَرِي وَفِي الْبَيْعِ الْمَعْلُومِ فِيهِ الْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ فِيهِ قِيمَتُهُ حَكَمْنَا فِي النِّكَاحِ إذَا كَانَ حُكْمُهُ لاَ يَرُدُّ عَقْدَهُ أَنَّهُ كَبَيْعٍ قَدْ اُسْتُهْلِكَ فِي يَدِ مُشْتَرِيهِ، أَلاَ تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلاً اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ يَوْمَهُ أَوْ سَاعَتَهُ فَمَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ وَقْتِ الْخِيَارِ لَزِمَهُ بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ عَيْنٌ تُرَدُّ وَالنِّكَاحُ لَيْسَ بِعَيْنٍ وَلاَ يَكُونُ لِلْمُتَنَاكِحَيْنِ خِيَارٌ لِمَا وَصَفْت‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَأَصْدَقَهَا أَلْفًا وَرَدَّتْ عَلَيْهِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَالصَّدَاقُ بَاطِلٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا تَقَابَضَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا أَوْ لَمْ يَتَقَابَضَا لِأَنَّ حِصَّةَ الْخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ الْأَلْفِ مَجْهُولَةٌ لِأَنَّهَا مَقْسُومَةٌ عَلَى أَلْفٍ وَصَدَاقِ مِثْلِهَا‏.‏

وَهَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا بِأَلْفٍ عَلَى إنْ رَدَّتْ عَلَيْهِ أَلْفًا كَانَ الصَّدَاقُ بَاطِلاً وَهِيَ مِثْلُ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَزِيَادَةُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَلْفًا بِأَلْفٍ وَزِيَادَةٍ كَانَ الرِّبَا فِي الزِّيَادَةِ أَوْ النِّكَاحِ بِلاَ حِصَّةٍ مِنْ الْمَهْرِ فَيَكُونُ لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْأَلْفِ‏.‏

وَهَكَذَا لَوْ نَكَحَهَا بِمِائَةِ إرْدَبِّ حِنْطَةٍ عَلَى أَنْ رَدَّتْ عَلَيْهِ مِائَةَ إرْدَبِّ حِنْطَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ‏.‏

وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ أَصْدَقَهَا إيَّاهُ وَرَدَّتْ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهُ مِمَّا فِي الْفَضْلِ فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضِ الرِّبَا لَمْ يَجُزْ فَلاَ يَجُوزُ مِنْ هَذَا شَيْءٌ حَتَّى يُسَمِّيَ حِصَّةَ مَهْرِهَا مِمَّا أَصْدَقَهَا وَحِصَّةَ مَا أَخَذَ مِنْهَا، فَإِذَا أَصْدَقَهَا أَلْفًا عَلَى أَنَّ حِصَّةَ مَهْرِهَا خَمْسُمِائَةٍ وَرَدَّتْ عَلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ بِخَمْسِمِائَةٍ وَكَانَ هَذَا فِيمَا فِي بَعْضِهِ عَلَى بَعْضِ الرِّبَا فَفِيهَا قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ‏.‏

وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلُ قَالَ لَوْ أَصْدَقَ امْرَأَتَيْنِ أَلْفًا كَانَ النِّكَاحُ ثَابِتًا وَقُسِمَتْ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى مُهُورِ مِثْلِهِمَا فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِيهَا بِقَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا كَانَ مَهْرُ مِثْلِ إحْدَاهُمَا أَلْفًا وَمَهْرُ الْأُخْرَى أَلْفَيْنِ فَيَكُونُ لِصَاحِبَةِ الْأَلْفِ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَلِصَاحِبَةِ الْأَلْفَيْنِ ثُلُثًا الْأَلْفِ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَبَاهَا عَتَقَ سَاعَةَ عَقَدَ عَلَيْهَا عَقْدَ النِّكَاحِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا كَمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْبَيْعِ وَيَتِمُّ تَمَلُّكُهَا الصَّدَاقَ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ بِهِ عَيْبٌ يُنْقِصُهُ عُشْرَ قِيمَتِهِ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِعُشْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ أَبِيهَا يَوْمَ قَبَضَتْهُ مِنْهُ‏.‏

وَكَذَا لَوْ مَاتَ أَبُوهَا رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبَضَتْهُ مِنْهُ وَلاَ يُرَدُّ عِتْقُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَفْلَسَتْ أَوْ أَصْدَقَهَا أَبَاهَا وَهِيَ مُفْلِسَةٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِصْفُهُ وَلاَ لِلْغُرَمَاءِ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ يَعْتِقُ سَاعَةَ يَتِمُّ مِلْكُهُ بِالْعَقْدِ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَبَاهَا وَهِيَ مَحْجُورَةٌ كَانَ النِّكَاحُ ثَابِتًا وَصَدَاقُ أَبِيهَا بَاطِلاً لِأَنَّهُ لاَ يَثْبُتُ لَهَا عَلَيْهِ مِلْكٌ وَكَانَ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مَحْجُورَةً فَأَمْهَرَهَا أُمَّهَا بِأَمْرِ أَبِيهَا وَهُوَ وَلِيُّهَا أَوْ وَلِيٍّ لَهَا غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَبِيهَا وَلاَ لِوَلِيٍّ غَيْرِهِ أَنْ يُعْتِقَ عَنْهَا وَلاَ يَشْتَرِيَ لَهَا مَا يُعْتِقُ عَلَيْهَا مِنْ وَلَدٍ وَلاَ وَالِدٍ، قَالَ وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَحْجُورَةٍ فَأَصْدَقَهَا أَبَاهَا وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ أَوْ أَلْفَانِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ أَبِيهَا وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسُمِائَةٍ نِصْفُ الْأَلْفِ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَبَاهَا وَهُوَ يَسْوَى أَلْفًا عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُ أَبَاهُ وَهُوَ يَسْوَى أَلْفًا وَصَدَاقُ مِثْلِهَا أَلْفٌ فَأَبُوهُ بِيعَ لَهُ بِصَدَاقِ مِثْلِهَا وَبِأَبِيهَا وَنِصْفُ أَبِيهَا لَهَا بِالصَّدَاقِ وَنِصْفُهُ بِأَبِيهِ فَيَعْتِقُ أَبَوَاهُمَا مَعًا، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِرُبُعِ قِيمَةِ أَبِيهَا وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ وَهُوَ نِصْفُ حِصَّةِ صَدَاقِ مِثْلِهَا، قَالَ وَلَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا يَسْوَى أَلْفًا وَصَدَاقُ مِثْلِهَا أَلْفٌ عَلَى أَنْ زَادَتْهُ عَبْدًا يَسْوَى أَلْفًا فَوَجَدَ بِالْعَبْدِ الَّذِي أَعْطَتْهُ عَيْبًا كَانَ فِيهَا قَوْلاَنِ‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ يَرُدُّهُ بِنِصْفِ عَبْدِهِ الَّذِي أَعْطَاهَا لِأَنَّهُ مَبِيعٌ بِنِصْفِهِ وَكَانَ لَهَا نِصْفُ الْعَبْدِ الَّذِي أَعْطَاهَا فَإِنْ طَلَّقَهَا رَجَعَ عَلَيْهَا بِرُبُعِ الْعَبْدِ الَّذِي أَصْدَقَهَا وَهُوَ نِصْفُ صَدَاقِهِ إيَّاهَا وَكَانَ لَهَا رُبُعُهُ لِأَنَّهُ نِصْفُ صَدَاقِهَا‏.‏

وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا أَوْ نِكَاحًا أَوْ بَيْعًا أَوْ إجَارَةً لَمْ يَجُزْ لَوْ انْتَقَصَ الْمِلْكُ فِي الْعَبْدِ الَّذِي أَصْدَقَهَا بِعَيْبٍ يُرَدُّ بِهِ أَوْ بِأَنْ يَسْتَحِقَّ أَوْ بِأَنْ يُطَلِّقَهَا فَيَكُونُ لَهُ بَعْضُهُ إلَّا أَنْ تُنْتَقَضَ الصَّفْقَةُ كُلُّهَا فَتَرُدُّ عَلَيْهِ مَا أَخَذَتْ مِنْهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهَا مَا أَخَذَ مِنْهَا وَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، كَمَا لَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ عَبْدَيْنِ فَاسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي الثَّانِي أَوْ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا فَأَبَى إلَّا أَنْ يَرُدَّ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي الثَّانِي إذَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَحْبِسَ الْعَبْدَ عَلَى الْعَيْبِ‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَعْقِدَ الرَّجُلُ نِكَاحًا بِصَدَاقٍ عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُ الْمَرْأَةُ شَيْئًا قَلَّ وَلاَ كَثُرَ مِنْ بَيْعٍ وَلاَ كِرَاءٍ وَلاَ إجَارَةٍ وَلاَ بَرَاءَةٍ مِنْ شَيْءٍ كَانَ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ أَنَّهُ إذَا أَصْدَقَهَا أَلْفَيْنِ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ فَأَعْطَتْهُ عَبْدًا يَسْوَى أَلْفًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا انْتَقَضَ نِصْفُ حِصَّةِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَثَبَتَ نِصْفُهَا، فَإِنْ جَعَلْت الْبَيْعَ مِنْهَا نَقَضْت نِصْفَهُ وَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا جَمَعَتْهُ صَفْقَةٌ يُنْتَقَضُ إلَّا مَعًا وَلاَ يَجُوزُ إلَّا مَعًا فَإِنْ جَعَلْته يُنْتَقَضُ كُلُّهُ فَقَدْ انْتَقَضَ بِغَيْرِ عَيْبٍ وَلاَ انْتِقَاضَ لِنِصْفِ حِصَّةِ عُقْدَةِ النِّكَاحِ فَدَخَلَهُ مَا وَصَفْت أَوْلَى مِنْ أَنْ يُنْتَقَضَ بَعْضُ الصَّفْقَةِ دُونَ بَعْضٍ‏.‏

وَإِنْ لَمْ أَجْعَلْهُ يُنْتَقَضُ بِحَالٍ فَقَدْ أَجَزْت بَيْعًا مَعَهُ بِغَيْرِ مِلْكٍ قَدْ انْتَقَضَ بَعْضُهُ وَوَقَعَ الْبَيْعُ عَلَيْهِ بِحِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ لِأَنَّ مَهْرَ مِثْلِهَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْهُ وَيُعْتَبَرَ بِغَيْرِهَا‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ قَدْ تَجْمَعُ الصَّفْقَةُ بَيْعَ عَبْدَيْنِ مَعًا‏؟‏ قِيلَ نَعَمْ‏:‏ يَرِقَّانِ فَيُسْتَرَقَّانِ مَعًا وَتُنْتَقَضُ الصَّفْقَةُ فِي أَحَدِهِمَا فَتُنْتَقَضُ فِي الْآخَرِ حِينَ لَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ وَلَيْسَ هَكَذَا النِّكَاحُ قَالَ الرَّبِيعُ وَبِهَذَا يَأْخُذُ الشَّافِعِيُّ وَبِهِ أَخَذْنَا‏.‏

قَالَ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ يُجِزْ أَنْ يُنْكِحَ الرَّجُلُ امْرَأَتَيْنِ بِأَلْفٍ وَلاَ يُبَيِّنَ كَمْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِنْ الْأَلْفِ، وَأُثْبِت النِّكَاحَ فِي كُلِّ مَا وَصَفْت وَأَجْعَلُ لِكُلِّ مَنْكُوحَةٍ عَلَى هَذَا صَدَاقَ مِثْلِهَا إنْ مَاتَ أَوْ دَخَلَ بِهَا وَنِصْفَ صَدَاقِ مِثْلِهَا إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا‏.‏

وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تُبْرِئَهُ مِنْ شَيْءٍ كَانَ لَهَا عَلَيْهِ قَبْلَ النِّكَاحِ وَلاَ يَنْكِحَهَا بِالْأَلْفِ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ لَهُ عَمَلاً وَلاَ يَنْكِحَهَا بِالْأَلْفِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهَا عَمَلاً لِأَنَّ هَذَا نِكَاحٌ وَإِجَارَةٌ لاَ تُعْرَفُ حِصَّةُ النِّكَاحِ مِنْ حِصَّةِ الْإِجَارَةِ وَنِكَاحٌ وَبَرَاءَةٌ لاَ تُعْرَفُ حِصَّةُ النِّكَاحِ مِنْ حِصَّةِ الْبَرَاءَةِ‏.‏ فَعَلَى هَذَا، هَذَا الْباب كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ قَالَ الرَّبِيعُ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا أَصْدَقَتْ الْمَرْأَةُ الْعَبْدَ أَوْ الْأَمَةَ فَكَاتَبَتْهُمَا أَوْ أَعْتَقَتْهُمَا أَوْ وَهَبَتْهُمَا أَوْ بَاعَتْهُمَا أَوْ دَبَّرَتْهُمَا أَوْ خَرَجَا مِنْ مِلْكِهَا ثُمَّ طَلُقَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَمْ تَرُدَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَيَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَةِ أَيِّ ذَلِكَ أَصْدَقَهَا يَوْمَ دَفَعَهُ إلَيْهَا، وَلَوْ دَبَّرَتْ الْعَبْدَ أَوْ الْأَمَةَ فَرَجَعَتْ فِي التَّدْبِيرِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَالْعَبْدُ بِحَالِهِ رَجَعَ فِي نِصْفِهِ‏.‏

وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ تَرْجِعَ فِي التَّدْبِيرِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى أَخْذِهِ وَإِنْ نَقَضَتْ التَّدْبِيرَ لِأَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ صَارَ لَهُ وَالْعَبْدُ أَوْ الْجَارِيَةُ مَحُولٌ دُونَهُ بِالتَّدْبِيرِ لاَ يُجْبَرُ مَالِكُهُ عَلَى نَقْضِ التَّدْبِيرِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَانَ حَقُّهُ مَكَانَهُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ فَلاَ يَتَحَوَّلُ إلَى عَبْدٍ قَدْ كَانَ فِي ثَمَنٍ بِمَشِيئَتِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَشِيئَتُهُ فِي أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ أَوْ الْأَمَةَ وَيُقَالُ لَهُ اُنْقُضْ التَّدْبِيرَ‏.‏

التَّفْوِيضُ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ‏:‏ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ التَّفْوِيضُ الَّذِي إذَا عَقَدَ الزَّوْجُ النِّكَاحَ بِهِ عُرِفَ أَنَّهُ تَفْوِيضٌ فِي النِّكَاحِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ الثَّيِّبَ الْمَالِكَةَ لِأَمْرِهَا بِرِضَاهَا وَلاَ يُسَمِّي مَهْرًا أَوْ يَقُولُ لَهَا أَتَزَوَّجُك عَلَى غَيْرِ مَهْرٍ فَالنِّكَاحُ فِي هَذَا ثَابِتٌ فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا حَتَّى طَلَّقَهَا فَلاَ مُتْعَةَ وَلاَ نِصْفَ مَهْرٍ لَهَا وَكَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ أَتَزَوَّجُك وَلَك عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ مَهْرٌ فَيَكُونُ هَذَا تَفْوِيضًا وَأَكْثَرُ مِنْ التَّفْوِيضِ وَلاَ يَلْزَمُهُ الْمِائَةُ فَإِنْ أَخَذَتْهَا مِنْهُ كَانَ عَلَيْهَا رَدُّهَا بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسَمِّيَ لَهَا مَهْرًا أَوْ مَاتَتْ فَسَوَاءٌ وَقَدْ رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ وَنَكَحَتْ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَمَاتَ زَوْجُهَا فَقَضَى لَهَا بِمَهْرِ نِسَائِهَا وَقَضَى لَهَا بِالْمِيرَاثِ» فَإِنْ كَانَ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ أَوْلَى الْأُمُورِ بِنَا وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَثُرُوا وَلاَ فِي قِيَاسٍ فَلاَ شَيْءَ فِي قَوْلِهِ إلَّا طَاعَةُ اللَّهِ بِالتَّسْلِيمِ لَهُ وَإِنْ كَانَ لاَ يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُثْبِتَ عَنْهُ مَا لَمْ يَثْبُتْ وَلَمْ أَحْفَظْهُ بَعْدُ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ مِثْلُهُ وَهُوَ مَرَّةً يُقَالُ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَمَرَّةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ وَمَرَّةً عَنْ بَعْضِ أَشْجَعَ لاَ يُسَمَّى وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَإِذَا مَاتَ أَوْ مَاتَتْ فَلاَ مَهْرَ لَهَا وَلَهُ مِنْهَا الْمِيرَاثُ إنْ مَاتَتْ وَلَهَا مِنْهُ الْمِيرَاثُ إنْ مَاتَ وَلاَ مُتْعَةَ لَهَا فِي الْمَوْتِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُطَلَّقَةٍ وَإِنَّمَا جُعِلَتْ الْمُتْعَةُ لِلْمُطَلَّقَةِ‏.‏

قَالَ وَإِنْ كَانَ عَقَدَ عَلَيْهَا عُقْدَةَ النِّكَاحِ بِمَهْرٍ مُسَمًّى أَوَبِغَيْرِ مَهْرٍ فَسَمَّى لَهَا مَهْرًا فَرَضِيَتْهُ أَوْ رَفَعَتْهُ إلَى السُّلْطَانِ فَفَرَضَ لَهَا مَهْرًا فَهُوَ لَهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْت عَطَاءً يَقُولُ سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَسْأَلُ عَنْ الْمَرْأَةِ يَمُوتُ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ فَرَضَ صَدَاقَهَا قَالَ لَهَا الصَّدَاقُ وَالْمِيرَاثُ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأُمَّهَا ابْنَةُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَمَاتَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا فَابْتَغَتْ أُمُّهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ لَهَا ابْنُ عُمَرَ لَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَوْ كَانَ لَهَا صَدَاقٌ لَمْ نَمْنَعْكُمُوهُ وَلَمْ نَظْلِمْهَا فَأَبَتْ أَنْ تَقْبَلَ ذَلِكَ فَجَعَلُوا بَيْنَهُمْ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَضَى أَنْ لاَ صَدَاقَ لَهَا وَلَهَا الْمِيرَاثُ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ سَأَلْت عَبْدَ خَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ فُوِّضَ إلَيْهِ فَمَاتَ وَلَمْ يَفْرِضْ فَقَالَ لَيْسَ لَهَا إلَّا الْمِيرَاثُ وَلاَ نَشُكُّ أَنَّهُ قَوْلُ عَلِيٍّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ سُفْيَانُ لاَ أَدْرِي لاَ نَشُكُّ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ أَمْ مِنْ قَوْلِ عَطَاءٍ أَمْ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ خَيْرٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَفِي النِّكَاحِ وَجْهٌ آخَرُ قَدْ يَدْخُلُ فِي اسْمِ التَّفْوِيضِ وَلَيْسَ بِالتَّفْوِيضِ الْمَعْرُوفِ نَفْسِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْباب قَبْلَهُ وَذَلِكَ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ لِلرَّجُلِ أَتَزَوَّجُك عَلَى أَنْ تَفْرِضَ لِي مَا شِئْتَ أَوْ مَا شِئْتُ أَنَا أَوْ مَا حَكَمْتَ أَنْتَ أَوْ مَا حَكَمْتُ أَنَا أَوْ مَا شَاءَ فُلاَنٌ أَوْ مَا رَضِيَ أَوْ مَا حَكَمَ فُلاَنٌ لِرَجُلٍ آخَرَ فَهَذَا كُلُّهُ وَقَعَ بِشَرْطِ صَدَاقٍ وَلَكِنَّهُ شَرْطٌ مَجْهُولٌ فَهُوَ كَالصَّدَاقِ الْفَاسِدِ، مِثْلُ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا عَلَى أَنْ تُتْرَكَ إلَى أَنْ تَبْلُغَ‏.‏

وَمِثْلُ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا لاَ يَحِلُّ مِلْكُهُ وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ فِي حَالِهِ تِلْكَ أَوْ عَلَى الْأَبَدِ فَلَهَا فِي هَذَا كُلِّهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلاَ مُتْعَةَ لَهَا فِي قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنْ لاَ مُتْعَةَ لِلَّتِي فَرَضَ لَهَا إذَا طَلُقَتْ قَبْلَ أَنْ تُمَسَّ وَلَهَا الْمُتْعَةُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ الْمُتْعَةُ لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا كَانَ الصَّدَاقُ تَسْمِيَةً بِوَجْهٍ لاَ يَجُوزُ إلَى أَجَلٍ أَوْ غَيْرِ أَجَلٍ، أَوْ يُذْكَرُ فِيهِ شَيْءٌ فَهُوَ صَدَاقٌ فَاسِدٌ لَهَا فِيهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَنِصْفُهُ إنْ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَوْ أَصْدَقَهَا بَيْتًا أَوْ خَادِمًا لَمْ يَصِفْهُ وَلَمْ تَعْرِفْهُ بِعَيْنِهِ كَانَ لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا لاَ يَكُونُ الصَّدَاقُ لاَزِمًا إلَّا بِمَا تَلْزَمُ بِهِ الْبُيُوعُ أَلاَ تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلاً بَاعَ بَيْتًا غَيْرَ مَوْصُوفٍ أَوْ خَادِمًا غَيْرَ مَوْصُوفٍ‏.‏ وَلاَ يَرَى وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلاَ يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ أَصْدَقْتُك خَادِمًا بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْخَادِمَ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا قَدْ يَكُونُ صَبِيًّا وَكَبِيرًا وَأَسْوَدَ وَأَحْمَرَ فَلاَ يَجُوزُ فِي الصَّدَاقِ إلَّا مَا جَازَ فِي الْبُيُوعِ‏.‏

وَلَوْ قَالَ أَصْدَقْتُك خَادِمًا خُمَاسِيًّا مِنْ جِنْسِ كَذَا أَوْ صِفَةِ كَذَا جَازَ كَمَا يَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ قَالَ وَلَوْ أَصْدَقَهَا دَارًا لاَ يَمْلِكُهَا أَوْ عَبْدًا لاَ يَمْلِكُهُ أَوْ حُرًّا فَقَالَ هَذَا عَبْدِي أَصَدَقْتُكَهُ فَنَكَحَتْهُ عَلَى هَذَا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الدَّارَ وَالْعَبْدَ لَمْ يَكُونَا فِي مِلْكِهِ يَوْمَ عَقَدَ عَلَيْهَا فَعُقْدَةُ النِّكَاحِ جَائِزَةٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلاَ يَكُونُ لَهَا قِيمَةُ الْعَبْدِ وَلاَ الدَّارُ وَلَوْ مَلَكَهُمَا بَعْدُ فَأَعْطَاهَا إيَّاهُمَا لَمْ يَكُونَا لَهَا إلَّا بِتَجْدِيدِ بَيْعٍ فِيهِمَا لِأَنَّ الْعُقْدَةَ انْعَقَدَتْ وَهُوَ لاَ يَمْلِكُهُمَا كَمَا لَوْ انْعَقَدَتْ عَلَيْهِمَا عُقْدَةُ بَيْعٍ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَلَوْ مَلَكَهُمَا بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ سَلَّمَهُمَا مَالِكُهُمَا لِلْبَائِعِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُحْدِثَ فِيهِمَا بَيْعًا وَإِنَّمَا جَعَلْت لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ لاَ يُرَدُّ كَمَا لاَ تُرَدُّ الْبُيُوعُ الْفَائِتَةُ النِّكَاحَ كَالْبُيُوعِ الْفَائِتَةِ قَالَ وَسَيِّدُ الْأَمَةِ فِي تَزْوِيجِ الرَّجُلِ بِغَيْرِ مَهْرِ مِثْلِ الْمَرْأَةِ الْبَالِغِ فِي نَفْسِهَا إذَا زَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُسَمِّي مَهْرًا أَوْ زَوَّجَهَا عَلَى أَنْ لاَ مَهْرَ لَهَا فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلَهَا الْمُتْعَةُ وَلَيْسَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ فَإِنْ مَسَّهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِذَا زَوَّجَ الْأَمَةَ سَيِّدُهَا وَأَذِنَتْ الْحُرَّةُ فِي نَفْسِهَا بِلاَ مَهْرٍ ثُمَّ أَرَادَتْ الْحُرَّةُ وَأَرَادَ سَيِّدُ الْأَمَةِ أَنْ يَفْرِضَ الزَّوْجُ لَهَا مَهْرًا فُرِضَ لَهَا الْمَهْرُ‏.‏

وَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَطَلَبَتْهُ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا أَوْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَلَيْسَ لَهَا إلَّا الْمَتَاعُ لاَ يَجِبُ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ إلَّا أَنْ يَفْرِضَ الْحَاكِمُ أَوْ بِأَنْ يَفْرِضَهُ هُوَ لَهَا بَعْدَ عِلْمِهَا صَدَاقَ مِثْلِهَا فَتَرْضَى كَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَيَلْزَمُهُمَا جَمِيعًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ نَكَحَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ فَفَرَضَ لَهَا مَهْرًا فَلَمْ تَرْضَهُ حَتَّى فَارَقَهَا كَانَتْ لَهَا الْمُتْعَةُ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِمَّا فَرَضَ لَهَا شَيْءٌ حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى الرِّضَا فَإِذَا اجْتَمَعَا عَلَى الرِّضَا بِهِ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقْضُ شَيْءٍ مِنْهُ كَمَا لاَ يَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقْضُ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْعُقْدَةُ مِنْ الْمَهْرِ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى نَقْضِهَا أَوْ يُطَلِّقُ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَيُنْتَقَضُ نِصْفُ الْمَهْرِ وَلاَ يَلْزَمُهَا مَا فَرَضَ لَهَا بِحَالٍ حَتَّى يَعْلَمَا كَمْ مَهْرُ مِثْلِهَا لِأَنَّ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا بِالْعَقْدِ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ بِطَلاَقٍ فَإِذَا فَرَضَ وَهُمَا لاَ يَعْلَمَانِ مَهْرَ مِثْلِهَا كَانَ هُوَ كَالْمُشْتَرِي وَهِيَ كَالْبَائِعِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَوْ يَعْلَمْ أَحَدُهُمَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَيْسَ أَبُو الْجَارِيَةِ الصَّغِيرَةِ وَلاَ الْكَبِيرَةِ الْبِكْرِ كَسَيِّدِ الْأَمَةِ فِي أَنْ يَضَعَ مِنْ مَهْرِهَا وَلاَ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ فَإِنْ قِيلَ فَمَا فَرْقٌ بَيْنَهُمَا فَهُوَ يُزَوِّجُهُمَا مَعًا بِلاَ رِضَاهُمَا‏؟‏ قِيلَ مَا يَمْلِكُ مِنْ الْجَارِيَةِ مِنْ الْمَهْرِ فَلِنَفْسِهِ يَمْلِكُهُ لاَ لَهَا فَأَمْرُهُ يَجُوزُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ وَمَا مَلَكَ لِابْنَتِهِ مِنْ مَهْرِهَا فَلَهَا يَمْلِكُهُ لاَ لِنَفْسِهِ وَمَهْرُهَا مَالٌ مِنْ مَالِهَا فَكَمَا لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَهَبَ مَالَهَا فَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَهَبَ صَدَاقَهَا وَلاَ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ كَمَا لاَ يَجُوزُ لَهُ إتْلاَفُ مَا سِوَاهُ مِنْ مَالِهَا‏.‏

وَإِذَا زَوَّجَهَا أَبُوهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا أَوْ قَالَ لِزَوْجِهَا أُزَوِّجُكهَا عَلَى أَنْ لاَ مَهْرَ عَلَيْك فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ لَهَا وَلَهَا عَلَى الزَّوْجِ مَهْرُ مِثْلِهَا لاَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ فَإِنْ ضَمِنَ لَهُ الْأَبُ الْبَرَاءَةَ مِنْ مَهْرِهَا وَسَمَّاهُ فَلِلزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ صَدَاقُهَا فِي مَالِهِ عَاشَ أَوْ مَاتَ أَوْ عَاشَتْ أَوْ مَاتَتْ وَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَهَا عَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَلاَ يَرْجِعُ بِهِ الزَّوْجُ عَلَى الْأَبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ فِي مَالِهِ شَيْئًا فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ إنَّمَا ضَمِنَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ عَنْهُ حَقًّا لِغَيْرِهِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَكَيْفَ جَعَلْت عَلَيْهِ مَهْرَ مِثْلِ الصَّبِيَّةِ إنَّمَا زَوَّجَهُ إيَّاهَا أَبُوهَا وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِالنِّكَاحِ إلَّا بِغَيْرِ مَهْرٍ‏؟‏ قِيلَ لَهُ أَرَأَيْت إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ الثَّيِّبُ الْمَالِكُ لِأَمْرِهَا الَّتِي لَوْ وَهَبَتْ مَالَهَا جَازَ تَنْكِحُ الرَّجُلَ عَلَى أَنْ لاَ مَهْرَ لَهَا ثُمَّ تَسْأَلُ الْمَهْرَ فَأَفْرِضُ لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَلاَ أُبْطِلُ النِّكَاحَ كَمَا أُبْطِلُ الْبَيْعَ وَلاَ أَجْعَلُ لِلزَّوْجِ الْخِيَارَ بِأَنْ طَلَبَتْ الصَّدَاقَ وَقَدْ نَكَحَتْ بِلاَ صَدَاقٍ وَكَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ أَقُولَ فِي الصَّبِيَّةِ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ هَكَذَا لِأَنَّهُمَا مَنْكُوحَتَانِ وَأَكْثَرُ مَا فِي الصَّبِيَّةِ أَنْ يَجُوزَ أَمْرُ أَبِيهَا عَلَيْهَا فِي مَهْرِهَا كَمَا يَجُوزُ أَمْرُ الْكَبِيرَةِ فِي نَفْسِهَا فِي مَهْرِهَا فَإِذَا لَمْ يَبْرَأْ زَوْجُ الْكَبِيرَةِ مِنْ الْمَهْرِ بِأَنْ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَنْكِحَهَا إلَّا بِلاَ مَهْرٍ وَنَكَحَتْهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَزِمَهُ الْمَهْرُ وَلَمْ نَفْسَخْ النِّكَاحَ وَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ الْخِيَارَ وَلَوْ أَصَابَهَا كَانَ لَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ فَهَكَذَا الصَّبِيَّةُ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ وَلَكِنْ لِمَ جَعَلْت عَلَى زَوْجِ الصَّبِيَّةِ يُطَلِّقُهَا نِصْفَ مَهْرِ مِثْلِهَا وَأَنْتَ لاَ تَجْعَلُ عَلَى زَوْجِ الْكَبِيرَةِ إذَا نَكَحَهَا بِلاَ مَهْرٍ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ تَطْلُبَ الْفَرْضَ أَوْ يَفْرِضَ أَوْ تُصَابَ إلَّا الْمُتْعَةَ‏؟‏ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ بِمَهْرٍ إلَّا عَلَى مَنْ أَجَازَ أَمْرَهُ مِنْ النِّسَاءِ فِي مَالِهِ فَيَرْضَى أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ فَهُوَ مُطَلِّقٌ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا مَهْرًا فَكَانَ لَهُنَّ الْمُتْعَةُ لِأَنَّهُنَّ عَفَوْنَ عَنْ الْمَهْرِ حَتَّى طُلِّقْنَ كَمَا لَوْ عَفَوْنَ عَنْهُ وَقَدْ فَرَضَ جَازَ عَفْوُهُنَّ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏إلَّا أَنْ يَعْفُونَ‏}‏ وَالصَّغِيرَةُ لَمْ تَعْفُ عَنْ مَهْرٍ وَلَوْ عَفَتْ لَمْ يَجُزْ عَفْوُهَا وَإِنَّمَا عَفَا عَنْهَا أَبُوهَا الَّذِي لاَ عَفْوَ لَهُ فِي مَالِهَا فَأَلْزَمْنَا الزَّوْجَ نِصْفَ مَهْرِ مِثْلِهَا بِالطَّلاَقِ وَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا لِافْتِرَاقِ حَالِهِمَا فِي مَالِهِمَا، وَلِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَرْضَ بِصَدَاقٍ إلَّا أَنْ يَبْرَأَ مِنْهُ فَكَانَ كَمَنْ سَمَّى صَدَاقًا فَاسِدًا وَلَوْ كَانَ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا فَعَفَاهُ الْأَبُ كَانَ لَهَا الصَّدَاقُ الَّذِي سَمَّى وَعَفْوُ الْأَبِ بَعْدَ وُجُوبِ الصَّدَاقِ بَاطِلٌ وَهَكَذَا الْمَحْجُورَةُ إذَا زُوِّجَتْ بِلاَ مَهْرٍ لاَ تُخَالِفُ الصَّبِيَّةَ فِي شَيْءٍ‏.‏

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلاً زَوَّجَ ابْنَتَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ آلاَفٍ وَتَرَكَ لِزَوْجِهَا أَلْفًا فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا وَأَبُوهَا ثَلاَثَتُهُمْ يَخْتَصِمُونَ إلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ شُرَيْحٌ‏:‏ تَجُوزُ صَدَقَتُك وَمَعْرُوفُك وَهِيَ أَحَقُّ بِثَمَنِ رَقَبَتِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لِلْبِنْتِ دُونَ الْأَبِ وَلاَ حَقَّ لِلْأَبِ فِيهِ وَقَوْلُ شُرَيْحٍ تَجُوزُ صَدَقَتُك وَمَعْرُوفُك قَدْ أَحْسَنْت وَإِحْسَانُك حَسَنٌ وَلَكِنَّك أَحْسَنْت فِيمَا لاَ يَجُوزُ لَك فَهِيَ أَحَقُّ بِثَمَنِ رَقَبَتِهَا يَعْنِي صَدَاقَهَا‏.‏

الْمَهْرُ الْفَاسِدُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا الْعُقْدَةُ وَالْآخَرُ الْمَهْرُ الَّذِي يَجِبُ بِالْعَقْدِ فَلاَ يَفْسُدُ الْعَقْدُ إلَّا بِمَا وَصَفْنَا الْعَقْدَ يَفْسُدُ بِهِ مِنْ أَنْ يُعْقَدَ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَلَيْسَ الْمَهْرُ مِنْ إفْسَادِ الْعَقْدِ وَلاَ إصْلاَحِهِ بِسَبِيلٍ أَلاَ تَرَى أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ بِغَيْرِ مَهْرٍ مُسَمًّى صَحِيحٌ فَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ مَنْهِيًّا عَنْهُ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَكُونَ عَقْدٌ بِمَهْرٍ صَحِيحٍ أَوْ لاَ تَرَى أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَكُونُ بِلاَ مَهْرٍ فَيَثْبُتُ النِّكَاحُ وَلاَ يَفْسُدُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَهْرٌ وَيَكُونُ لِلْمَرْأَةِ إذَا وُطِئَتْ مَهْرُ مِثْلِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي يُخَالِفُ فِيهِ النِّكَاحُ الْبَيْعَ لِأَنَّ الْبَيْعَ إذَا وَقَعَ بِغَيْرِ ثَمَنٍ لَمْ يَجِبْ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ قَدْ بِعْتُك بِحُكْمِك فَلاَ يَكُونُ بَيْعًا وَهَذَا فِي النِّكَاحِ صَحِيحٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِنْ أَيْنَ أَجَزْت هَذَا فِي النِّكَاحِ وَرَدَدْته فِي الْبُيُوعِ وَأَنْتَ تَحْكُمُ فِي عَامَّةِ النِّكَاحِ أَحْكَامَ الْبُيُوعِ‏؟‏ قِيلَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ‏}‏ إلَى‏:‏ ‏{‏وَمَتِّعُوهُنَّ‏}‏ وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ‏}‏ فَأَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَفْرُوضِ لَهَا أَنَّ الطَّلاَقَ يَقَعُ عَلَيْهَا كَمَا أَعْلَمَ فِي الَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا أَنَّ الطَّلاَقَ يَقَعُ عَلَيْهَا وَالطَّلاَقُ لاَ يَقَعُ إلَّا عَلَى زَوْجَةٍ وَالزَّوْجَةُ لاَ تَكُونُ إلَّا وَنِكَاحُهَا ثَابِتٌ قَالَ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا مَضَى وَلاَ أَدْرَكْته فِي أَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَهْرًا وَأَنَّ لَهَا إنْ طَلُقَتْ وَقَدْ نَكَحَتْ وَلَمْ يُسَمِّ مَهْرًا الْمُتْعَةَ وَإِنْ أُصِيبَتْ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا فَلَمَّا كَانَ هَذَا كَمَا وَصَفْت لَمْ يَجُزْ أَبَدًا أَنْ يَفْسُدَ النِّكَاحُ مِنْ جِهَةِ الْمَهْرِ بِحَالٍ أَبَدًا فَإِذَا نَكَحَهَا بِمَهْرٍ مَجْهُولٍ أَوْ مَهْرٍ حَرَامِ الْبَيْعِ فِي حَالِهِ الَّتِي نَكَحَهَا فِيهَا أَوْ حَرَامٍ بِكُلِّ حَالٍ قَالَ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَعَقْدُ النِّكَاحِ ثَابِتٌ وَالْمَهْرُ بَاطِلٌ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لِأَنَّهَا سَمَّتْ مَهْرًا وَإِنْ لَمْ يَجُزْ بِأَنَّهُ مَعْلُومٌ حَلاَلٌ وَلَمْ يَحِلَّ لِأَنَّهَا لَمْ تَرُدَّ نِكَاحَهُ بِلاَ مَهْرٍ‏.‏

وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ بِثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا عَلَى أَنْ يَدَعَهَا إلَى أَنْ تَبْلُغَ فَيَكُونَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَتَكُونَ الثَّمَرَةُ لِصَاحِبِهَا لِأَنَّ بَيْعَهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ لاَ يَحِلُّ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ وَلَوْ نَكَحَتْ بِهَا عَلَى أَنْ تَقْطَعَهَا حِينَئِذٍ كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا فَإِنْ تَرَكَهَا حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا فَهِيَ لَهَا وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَمَتَى قَامَ عَلَيْهَا بِقَطْعِهَا فَعَلَيْهَا أَنْ تَقْطَعَهَا فِي أَيِّ حَالٍ قَامَ عَلَيْهَا فِيهَا قَالَ وَلَوْ نَكَحَهَا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَالْمَهْرُ بَاطِلٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَكَذَلِكَ إنْ نَكَحَتْهُ بِحُكْمِهَا أَوْ حُكْمِهِ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ حَكَمَتْ حُكْمًا أَوْ حَكَمَهُ فَرَضِيَا بِهِ فَلَهُمَا مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُمَا مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ بَعْدَمَا يَعْرِفَانِ مَهْرَ مِثْلِهَا وَلاَ يَجُوزُ مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ أَبَدًا إلَّا بَعْدَمَا يَعْرِفَانِ مَهْرَ مِثْلِهَا‏.‏

وَلَوْ فَرَضَ لَهَا فَتَرَاضَيَا عَلَى غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَفْرِضْ لَهَا فَتَرَاضَيَا فَكَمَا يَكُونُ ذَلِكَ لَهُمَا لَوْ ابْتَدَأَ بِالْفَرْضِ لَهَا وَلاَ أَقُولُ لَهَا أَبَدًا اُحْكُمِي وَلَكِنْ أَقُولُ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إلَّا أَنْ تَشَاءَ أَنْ تَتَرَاضَيَا فَلاَ أَعْرِضُ لَكُمَا فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ صَحِبَ رَجُلاً فَرَأَى امْرَأَتَهُ فَأَعْجَبَتْهُ قَالَ فَتُوُفِّيَ فِي الطَّرِيقِ فَخَطَبَهَا الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ إلَّا عَلَى حُكْمِهَا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى حُكْمِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ تَحْكُمَ فَقَالَ اُحْكُمِي فَقَالَتْ أُحَكِّمُ فُلاَنًا وَفُلاَنًا رَقِيقَيْنِ كَانُوا لِأَبِيهِ مِنْ بِلاَدِهِ فَقَالَ اُحْكُمِي غَيْرَ هَؤُلاَءِ فَأَتَى عُمَرُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَجَزْت ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ مَا هُنَّ‏؟‏ قَالَ عَشِقْت امْرَأَةً قَالَ هَذَا مَا لاَ تَمْلِكُ قَالَ ثُمَّ تَزَوَّجْتهَا عَلَى حُكْمِهَا ثُمَّ طَلَّقْتهَا قَبْلَ أَنْ تَحْكُمَ قَالَ عُمَرُ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ يَعْنِي عُمَرَ لَهَا مَهْرُ امْرَأَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيَعْنِي مِنْ نِسَائِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَمَا قُلْت أَنَّ لَهَا مَهْرُ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهَا مَا لاَ أَعْلَمُ فِيهِ اخْتِلاَفًا وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَرَادَ عُمَرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏.‏

وَمَتَى قُلْت لَهَا مَهْرُ نِسَائِهَا فَإِنَّمَا أَعْنِي أَخَوَاتِهَا وَعَمَّاتِهَا وَبَنَاتِ أَعْمَامِهَا نِسَاءَ عَصَبَتِهَا وَلَيْسَ أُمُّهَا مِنْ نِسَائِهَا وَأَعْنِي مَهْرَ نِسَاءِ بَلَدِهَا لِأَنَّ مُهُورَ الْبُلْدَانِ تَخْتَلِفُ وَأَعْنِي مَهْرَ مَنْ هُوَ فِي مِثْلِ شَبَابِهَا وَعَقْلِهَا وَأَدَبِهَا لِأَنَّ الْمُهُورَ تَخْتَلِفُ بِالشَّباب وَالْهَيْئَةِ وَالْعَقْلِ وَأَعْنِي مَهْرَ مَنْ هُوَ فِي مِثْلِ يُسْرِهَا لِأَنَّ الْمُهُورَ تَخْتَلِفُ بِالْيُسْرِ وَأَعْنِي مَهْرَ مَنْ هُوَ فِي جَمَالِهَا لِأَنَّ الْمُهُورَ تَخْتَلِفُ بِالْجَمَالِ وَأَعْنِي مَهْرَ مَنْ هُوَ فِي صَرَاحَتِهَا لِأَنَّ الْمُهُورَ تَخْتَلِفُ بِالصَّرَاحَةِ وَالْهُجْنَةِ وَبِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا لِأَنَّ الْمُهُورَ تَخْتَلِفُ فِي الْأَبْكَارِ وَالثَّيِّبِ قَالَ وَإِنْ كَانَ مِنْ نِسَائِهَا مَنْ تَنْكِحُ بِنَقْدٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ بِعَرْضٍ أَوْ بِنَقْدٍ وَعَرْضٍ جَعَلْت صَدَاقَهَا نَقْدًا كُلَّهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْقِيمَةِ لاَ يَكُونُ بِدَيْنٍ لِأَنَّهُ لاَ يُعْرَفُ قَدْرُ النَّقْدِ مِنْ الدَّيْنِ وَإِنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا يَكُونُ بِرِضَا مَنْ يَكُونُ لَهُ الدَّيْنُ فَإِنْ كَانَتْ لاَ نِسَاءَ لَهَا فَمَهْرُ أَقْرَبِ النِّسَاءِ مِنْهَا شَبَهًا بِهَا فِيمَا وَصَفْت بِالنَّسَبِ فَإِنَّ الْمُهُورَ تَخْتَلِفُ بِالنَّسَبِ وَلَوْ كَانَ نِسَاؤُهَا يَنْكِحْنَ إذَا نَكَحْنَ فِي عَشَائِرِهِنَّ خَفَّفْنَ الْمَهْرَ وَإِذَا نَكَحْنَ فِي الْغُرَبَاءِ كَانَتْ مُهُورُهُنَّ أَكْثَرَ فَرَضْت عَلَيْهِ الْمَهْرَ إنْ كَانَ مِنْ عَشِيرَتِهَا كَمُهُورِ نِسَائِهَا فِي عَشِيرَتِهَا وَإِنْ كَانَ غَرِيبًا كَمُهُورِ الْغُرَبَاءِ‏.‏

الِاخْتِلاَفُ فِي الْمَهْرِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ إذَا اخْتَلَفَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الطَّلاَقِ أَوْ بَعْدَهُ فَقَالَ نَكَحْتُك عَلَى أَلْفٍ وَقَالَتْ بَلْ نَكَحْتَنِي عَلَى أَلْفَيْنِ أَوْ قَالَ نَكَحْتُك عَلَى عَبْدٍ وَقَالَتْ بَلْ نَكَحْتَنِي عَلَى دَارٍ بِعَيْنِهَا وَلاَ بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا تَحَالَفَا‏.‏ وَأَبْدَأُ بِالرَّجُلِ فِي الْيَمِينِ فَإِنْ حَلَفَ حَلَفَتْ الْمَرْأَةُ فَإِنْ حَلَفَتْ جَعَلْت لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا كَامِلاً وَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا وَهَكَذَا إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجُ وَأَبُو الصَّبِيَّةِ الْبِكْرِ أَوْ سَيِّدُ الْأَمَةِ وَهَكَذَا إنْ اخْتَلَفَ وَرَثَةُ الْمَرْأَةِ وَوَرَثَةُ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَوْ وَرَثَةُ أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ بَعْدَ مَوْتِهِ قَالَ وَلَوْ اخْتَلَفَ فِي دَفْعِهِ فَقَالَ قَدْ دَفَعْت إلَيْك صَدَاقَك وَقَالَتْ مَا دَفَعْت إلَيَّ شَيْئًا أَوْ اخْتَلَفَ أَبُو الْبِكْرِ الَّذِي يَلِي مَالَهَا أَوْ سَيِّدُ الْأَمَةِ فَقَالَ الزَّوْجُ قَدْ دَفَعْت إلَيْك صَدَاقَ ابْنَتِك قَالَ الْأَبُ لَمْ تَدْفَعْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ وَقَوْلُ أَبِي الْبِكْرِ وَسَيِّدِ الْأَمَةِ مَعَ أَيْمَانِهِمْ وَسَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ الرَّجُلُ أَوْ كَانَا حَيَّيْنِ لِوَرَثَتِهِمَا فِي ذَلِكَ مَا لَهُمَا فِي حَيَاتِهِمَا وَسَوَاءٌ عُرِفَ الصَّدَاقُ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ إنْ عُرِفَ فَلَهَا الصَّدَاقُ الَّذِي يَتَصَادَقَانِ عَلَيْهِ أَوْ تَقُومُ بِهِ بَيِّنَةٌ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ وَلَمْ يَتَصَادَقَا وَلاَ بَيِّنَةَ تَقُومُ تَحَالَفَا إنْ كَانَا حَيَّيْنِ وَوَرَثَتُهُمَا عَلَى الْعِلْمِ إنْ كَانَا مَيِّتَيْنِ وَكَانَ لَهَا مَيِّتَيْنِ وَكَانَ لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا لِأَنَّ الصَّدَاقَ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ فَلاَ يَزُولُ إلَّا بِإِقْرَارِ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ أَوْ الَّذِي إلَيْهِ الْحَقُّ مِنْ وَلِيِّ الْبِكْرِ الصَّبِيَّةِ وَسَيِّدِ الْأَمَةِ بِمَا يُبْرِئُ الزَّوْجَ مِنْهُ‏.‏

قَالَ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّهُ أَصْدَقَهَا أَلْفَيْنِ وَأَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَصْدَقَهَا أَلْفًا لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةٌ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمَرْأَةِ تَشْهَدُ بِأَلْفَيْنِ وَبَيِّنَةُ الرَّجُلِ تَشْهَدُ لَهُ بِأَلْفٍ قَدْ مَلَكَ بِهَا الْعَقْدَ فَلاَ يَجُوزُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ عِنْدِي فِيهَا إلَّا أَنْ يَتَحَالَفَا وَيَكُونَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا فَيَكُونَ هَذَا كَتَصَادُقِهِمَا عَلَى الْمَبِيعِ الْهَالِكِ وَاخْتِلاَفُهُمَا فِي الثَّمَنِ أَوْ الْقُرْعَةِ فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ حَلَفَ لَقَدْ شَهِدَ شُهُودُهُ بِحَقٍّ وَأَخَذَ بِيَمِينِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ بَعْضُ الشَّهَادَةِ مُتَضَادَّةٌ وَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ وَبِهِ يَأْخُذُ الشَّافِعِيُّ قَالَ وَلَوْ تَصَادَقَا عَلَى الصَّدَاقِ أَنَّهُ أَلْفٌ فَقَالَ دَفَعْت إلَيْهَا خَمْسَمِائَةٍ مِنْ صَدَاقِهَا فَأَقَرَّتْ بِذَلِكَ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهَا بِهَا بَيِّنَةٌ وَقَالَتْ أَعْطَيْتنِيهَا هَدِيَّةً وَقَالَ بَلْ صَدَاقٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَهَكَذَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهَا عَبْدًا فَقَالَ قَدْ أَخَذْتِيهِ مِنِّي بَيْعًا بِصَدَاقِك وَقَالَتْ بَلْ أَخَذْته مِنْك هِبَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَيْعِ وَتَرُدُّ الْعَبْدَ إنْ كَانَ حَيًّا أَوْ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ مَيِّتًا وَلَوْ تَصَادَقَا أَنَّ الصَّدَاقَ أَلْفٌ فَدَفَعَ إلَيْهَا أَلْفَيْنِ فَقَالَ أَلْفٌ صَدَاقٌ وَأَلْفٌ وَدِيعَةٌ وَقَالَتْ أَلْفٌ صَدَاقٌ وَأَلْفٌ هَدِيَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَهُ عِنْدَهَا أَلْفٌ وَدِيعَةً وَإِذَا أَقَرَّتْ أَنْ قَدْ قَبَضَتْ مِنْهُ شَيْئًا فَقَدْ أَقَرَّتْ بِمَالٍ لَهُ وَادَّعَتْ مِلْكَهُ بِغَيْرِ مَا قَالَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي مَالِهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا نَكَحَ الصَّغِيرَةَ أَوْ الْكَبِيرَةَ الْبِكْرَ الَّتِي يَلِي أَبُوهُمَا بُضْعَهُمَا وَمَالَهُمَا فَدَفَعَ إلَى أَبِيهِمَا صَدَاقَهُمَا فَهُوَ بَرَاءَةٌ لَهُ مِنْ الصَّدَاقِ وَهَكَذَا الثَّيِّبُ الَّتِي يَلِي أَبُوهَا مَالَهَا وَهَكَذَا إذَا دَفَعَ صَدَاقَهَا إلَى مَنْ يَلِي مَالَهَا مِنْ غَيْرِ الْآبَاءِ فَهُوَ بَرَاءَةٌ لَهُ مِنْ الصَّدَاقِ وَإِذَا دَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْأَبِ لِابْنَتِهِ الثَّيِّبِ الَّتِي تَلِي نَفْسَهَا أَوْ الْبِكْرِ الرَّشِيدَةِ الْبَالِغِ الَّتِي تَلِي مَالَهَا دُونَ أَبِيهَا أَوْ إلَى أَحَدٍ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ لاَ يَلِي الْمَالَ فَلاَ بَرَاءَةَ لَهُ مِنْ صَدَاقِهَا وَالصَّدَاقُ لاَزِمٌ بِحَالِهِ وَيَتْبَعُ مَنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِالصَّدَاقِ بِمَا دَفَعَ إلَيْهِ وَإِذَا وَكَّلَتْ الْمَرْأَةُ الَّتِي تَلِي مَالَهَا رَجُلاً مَنْ كَانَ يَدْفَعُ صَدَاقَهَا إلَيْهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ الزَّوْجُ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ‏.‏

الشَّرْطُ فِي النِّكَاحِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا عَقَدَ الرَّجُلُ النِّكَاحَ عَلَى الْبِكْرِ أَوْ الثَّيِّبِ الَّتِي تَلِي مَالَ نَفْسِهَا أَوْ لاَ تَلِيهِ فَإِذْنُهَا فِي النِّكَاحِ غَيْرُ إذْنِهَا فِي الصَّدَاقِ فَلَوْ نَكَحَهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِأَبِيهَا أَلْفًا‏.‏ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْنِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ نِكَاحٌ جَائِزٌ عُقِدَ فِيهِ صَدَاقٌ فَاسِدٌ وَجَبَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ لَيْسَ مِنْ الْعَقْدِ وَلاَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ مَا لَمْ يَجْعَلْهُ الزَّوْجُ لِلْمَرْأَةِ فَيَكُونُ صَدَاقًا لَهَا فَإِذَا أَعْطَاهُ الْأَبُ فَإِنَّمَا أَعْطَاهُ بِحَقِّ غَيْرِهِ فَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِحَقِّ غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِهِبَةٍ وَلَوْ كَانَ هِبَةً لَمْ تَجُزْ إلَّا مَقْبُوضَةً‏.‏

وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ إلَّا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَوْ كَانَتْ الْبِنْتُ ثَيِّبًا أَوْ بِكْرًا بَالِغًا فَرَضِيَتْ قَبْلَ النِّكَاحِ أَنْ يَنْكِحَهَا بِأَلْفَيْنِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ أَبَاهَا أَوْ أَخَاهَا مِنْهُمَا أَلْفًا كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا وَكَانَ هَذَا تَوْكِيلاً مِنْهَا لِأَبِيهَا بِالْأَلْفِ الَّتِي أَمَرَتْ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ وَكَانَتْ الْأَلْفَانِ لَهَا وَلَهَا الْخِيَارُ فِي أَنْ تُعْطِيَهَا أَبَاهَا وَأَخَاهَا هِبَةً لَهُمَا أَوْ مَنْعِهَا لَهُمَا لِأَنَّهَا هِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ أَوْ وَكَالَةٌ بِقَبْضِ أَلْفٍ فَيَكُونُ لَهَا الرَّجْعَةُ فِي الْوَكَالَةِ وَإِنَّمَا فَرَّقْت بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ إذَا كَانَتَا يَلِيَانِ أَمْوَالَهُمَا أَوْ لاَ يَلِيَانِهَا أَنَّ الَّتِي تَلِي مَالَهَا مِنْهُمَا يَجُوزُ لَهَا مَا صَنَعَتْ فِي مَالِهَا مِنْ تَوْكِيلٍ وَهِبَةٍ أَلاَ تَرَى أَنَّ رَجُلاً لَوْ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ خَمْسَمِائَةٍ وَآخَرَ خَمْسَمِائَةٍ كَانَ جَائِزًا وَكَانَتْ الْخَمْسُمِائَةِ إحَالَةً مِنْهُ لِلْآخَرِ بِهَا أَوْ وَكَالَةً وَالْبِكْرُ الصَّغِيرَةُ وَالثَّيِّبُ الَّتِي لاَ تَلِي مَالَهَا لاَ يَجُوزُ لَهَا فِي مَالِهَا مَا صَنَعَتْ قَالَ وَلَوْ انْعَقَدَتْ عُقْدَةُ النِّكَاحِ بِأَمْرِ الَّتِي تَلِي أَمْرَهَا بِمَهْرٍ رَضِيَتْهُ ثُمَّ شَرَطَ لَهَا بَعْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ شَيْئًا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ‏.‏

وَكَانَ الْوَفَاءُ بِهِ أَحْسَنَ لَوْ رَضِيَتْ وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الَّتِي لاَ تَلِي مَالَهَا كَانَ هَكَذَا إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ نَقَصَ الَّتِي لاَ تَلِي مَالَهَا شَيْئًا مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا بَلَغَ بِهَا مَهْرَ مِثْلِهَا وَلَوْ حَابَى أَبُو الَّتِي لاَ تَلِي مَالَهَا فِي مَهْرِهَا أَوْ وَضَعَ مِنْهُ كَانَ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ يُلْحِقَهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا وَلاَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ وَكَانَ وَضْعُ الْأَبِ مِنْ مَهْرِهَا بَاطِلاً كَمَا يَكُونُ هِبَتُهُ مَالَهَا سِوَى الْمَهْرِ بَاطِلاً وَهَكَذَا سَائِرُ الْأَوْلِيَاءِ‏.‏

وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ تَلِي مَالَهَا فَكَانَ مَا صَنَعَ بِغَيْرِ أَمْرِهَا وَلَوْ نَكَحَ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا بِأَمْرِهَا عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مَتَى شَاءَتْ مِنْ مَنْزِلِهِ وَعَلَى أَنْ لاَ تَخْرُجَ مِنْ بَلَدِهَا وَعَلَى أَنْ لاَ يَنْكِحَ عَلَيْهَا وَلاَ يَتَسَرَّى عَلَيْهَا أَوْ أَيِّ شَرْطٍ مَا شَرَطَتْهُ عَلَيْهِ مِمَّا كَانَ لَهُ إذَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ أَنْ يَفْعَلَهُ وَيَمْنَعَهَا مِنْهُ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ انْتَقَصَهَا بِالشَّرْطِ شَيْئًا مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ كَانَ لَمْ يُنْقِصْهَا مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا بِالشَّرْطِ أَوْ كَانَ قَدْ زَادَهَا عَلَيْهِ وَزَادَهَا عَلَى الشَّرْطِ أَبْطَلَتْ الشَّرْطَ وَلَمْ أَجْعَلْ لَهَا الزِّيَادَةَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَلَمْ يَزِدْهَا عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا لِفَسَادِ عَقْدِ الْمَهْرِ بِالشَّرْطِ الَّذِي دَخَلَ مَعَهُ أَلاَ تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلاً اشْتَرَى عَبْدًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَزِقَّ خَمْرٍ فَرَضِيَ رَبُّ الْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ الْمِائَةَ وَيُبْطِلَ الزِّقَّ الْخَمْرَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ الثَّمَنَ انْعَقَدَ عَلَى مَا يَجُوزُ وَعَلَى مَا لاَ يَجُوزُ فَبَطَلَ مَا لاَ يَجُوزُ‏.‏

وَمَا يَجُوزُ وَكَانَ لَهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ إنْ مَاتَ فِي يَدَيْ الْمُشْتَرِي وَلَوْ أَصْدَقَهَا أَلْفًا عَلَى أَنْ لاَ يُنْفِقَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَنْ لاَ يَقْسِمَ لَهَا أَوْ عَلَى أَنَّهُ فِي حِلٍّ مِمَّا صَنَعَ بِهَا كَانَ الشَّرْطُ بَاطِلاً وَكَانَ لَهُ إنْ كَانَ صَدَاقُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ الْأَلْفِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا حَتَّى يُصَيِّرَهَا إلَى صَدَاقِ مِثْلِهَا لِأَنَّهَا شَرَطَتْ لَهُ مَا لَيْسَ لَهُ فَزَادَهَا مِمَّا طَرَحَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ حَقِّهَا فَأَبْطَلَتْ حِصَّةَ الزِّيَادَةِ مِنْ مَهْرِهَا وَرَدَّدْتهَا إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ لاَ تُجِيزُ عَلَيْهِ مَا شَرَطَ لَهَا وَعَلَيْهَا مَا شَرَطَتْ لَهُ‏؟‏ قِيلَ رَدَدْت شَرْطَهُمَا إذَا أَبْطَلاَ بِهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُمَّ مَا جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى‏؟‏ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَوْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إذَا كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلاَفُهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا الشَّرْطُ لِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ مِمَّا إبْطَالُهُ بِالشَّرْطِ خِلاَفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ أَمْرٍ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ‏؟‏ قِيلَ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْكِحَ أَرْبَعًا وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَإِذَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَنْكِحَ وَلاَ يَتَسَرَّى حَظَرَتْ عَلَيْهِ مَا وَسَّعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ يَوْمًا تَطَوُّعًا وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ»‏.‏

فَجَعَلَ لَهُ مَنْعَهَا مَا يُقَرِّبُهَا إلَى اللَّهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَرْضًا عَلَيْهَا لِعَظِيمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا وَأَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ الْفَضِيلَةَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ عَلِمْته فِي أَنَّ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَيَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ فَإِذَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَلاَ يُخْرِجَهَا شَرَطَتْ عَلَيْهِ إبْطَالَ مَالِهِ عَلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لاَ تَعُولُوا‏}‏ فَدَلَّ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَعُولَ امْرَأَتَهُ دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ فَإِذَا شَرَطَ عَلَيْهَا أَنْ لاَ يُنْفِقَ عَلَيْهَا أُبْطِلَ مَا جَعَلَ لَهَا وَأُمِرَ بِعِشْرَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ وَلَمْ يُبَحْ لَهُ ضَرْبَهَا إلَّا بِحَالٍ فَإِذَا شَرَطَ عَلَيْهَا أَنَّ لَهُ أَنْ يُعَاشِرَهَا كَيْفَ شَاءَ وَأَنْ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا نَالَ مِنْهَا فَقَدْ شَرَطَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ مِنْهَا مَا لَيْسَ لَهُ فَبِهَذَا أَبْطَلْنَا هَذِهِ الشُّرُوطَ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَجَعَلْنَا لَهَا مَهْرَ مِثْلِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «إنَّ أَحَقَّ مَا وَفَّيْتُمْ بِهِ مِنْ الشُّرُوطِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» فَهَكَذَا نَقُولُ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ إنَّمَا يُوَفَّى مِنْ الشُّرُوطِ مَا يَبِينُ أَنَّهُ جَائِزٌ وَلَمْ تَدُلَّ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَقَدْ يُرْوَى عَنْهُ عليه الصلاة والسلام «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً» وَمُفَسَّرُ حَدِيثِهِ يَدُلُّ عَلَى جُمْلَتِهِ‏.‏

مَا جَاءَ فِي عَفْوِ الْمَهْرِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً‏}‏ الآيَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمَرْأَةِ فِيمَا أَوْجَبَ لَهَا مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ أَنْ تَعْفُوَ وَجَعَلَ لِلَّذِي يَلِي عُقْدَةَ النِّكَاحِ أَنْ يَعْفُوَ وَذَلِكَ أَنْ يُتِمَّ لَهَا الصَّدَاقَ فَيَدْفَعَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَهُ كَامِلاً وَلاَ يَرْجِعُ بِنِصْفِهِ إنْ كَانَ دَفَعَهُ وَبَيِّنٌ عِنْدِي فِي الآيَةِ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الزَّوْجُ وَذَلِكَ إنَّهُ إنَّمَا يَعْفُوهُ مَنْ لَهُ مَا يَعْفُوهُ فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ عَفْوَهَا مِمَّا مَلَكَتْ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ عَفْوِهِ لِمَا لَهُ مِنْ جِنْسِ نِصْفِ الْمَهْرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَحَضَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعَفْوِ وَالْفَضْلِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ‏}‏ وَبَلَغَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ قَالَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الزَّوْجُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْمِسْوَرِ عَنْ وَاصِلِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى طَلَّقَهَا فَأَرْسَلَ إلَيْهَا بِالصَّدَاقِ تَامًّا فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَنَا أَوْلَى بِالْعَفْوِ‏.‏

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الزَّوْجُ‏.‏

أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الزَّوْجُ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ هُوَ الزَّوْجُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْمُخَاطَبُونَ بِأَنْ يَعْفُوا، فَيَجُوزُ عَفْوُهُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الْأَحْرَارُ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبِيدَ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئًا فَلَوْ كَانَتْ أَمَةٌ عِنْدَ حُرٍّ فَعَفَتْ لَهُ عَنْ بَعْضِ الْمَهْرِ أَوْ الْمَهْرِ لَمْ يَجُزْ عَفْوُهَا وَذَلِكَ أَنَّهَا لاَ تَمْلِكُ شَيْئًا إنَّمَا يَمْلِكُ مَوْلاَهَا مَا مَلَكَ بِسَبَبِهَا وَلَوْ عَفَاهُ الْمَوْلَى جَازَ وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ إنْ عَفَا الْمَهْرَ كُلَّهُ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنِصْفِهِ لَمْ يَجُزْ عَفْوُهُ‏.‏ وَإِذَا عَفَاهُ مَوْلاَهُ جَازَ عَفْوُهُ لِأَنَّ مَوْلاَهُ الْمَالِكُ لِلْمَالِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأَمَّا أَبُو الْبِكْرِ يَعْفُو عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ فَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ لَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ عَفَا عَمَّا لاَ يَمْلِكُ وَمَا يَمْلِكُهُ تَمْلِكُهُ ابْنَتُهُ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ مَالاً لِبِنْتِهِ غَيْرَ الصَّدَاقِ لَمْ تَجُزْ هِبَتُهُ فَكَذَلِكَ إذَا وَهَبَ الصَّدَاقَ لَمْ تَجُزْ هِبَتُهُ لِأَنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِهَا وَكَذَلِكَ أَبُو الزَّوْجِ لَوْ كَانَ الزَّوْجُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَعَفَا عَنْ نِصْفِ الْمَهْرِ الَّذِي لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ لَمْ يَجُزْ عَفْوُ أَبِيهِ لِأَنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِهِ يَهَبُهُ وَلَيْسَ لَهُ هِبَةُ مَالِهِ قَالَ وَلاَ يَجُوزُ الْعَفْوُ إلَّا لِبَالِغٍ حُرٍّ رَشِيدٍ يَلِي مَالَ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ بَالِغًا حُرًّا مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَدَفَعَ الصَّدَاقَ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ فَعَفَا نِصْفَ الْمَهْرِ الَّذِي لَهُ أَنْ يَرْجِعَ كَانَ عَفْوُهُ بَاطِلاً كَمَا تَكُونُ هِبَةُ مَالِهِ سِوَى الصَّدَاقِ‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ بِكْرًا لاَ يَجُوزُ لَهَا هِبَةُ مَالِهَا وَلاَ لِأَوْلِيَائِهَا هِبَةُ أَمْوَالِهَا وَلَوْ كَانَتْ بِكْرًا بَالِغَةً رَشِيدَةً غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهَا فَعَفَتْ جَازَ عَفْوُهَا إنَّمَا يُنْظَرُ فِي هَذَا إلَى مَنْ يَجُوزُ أَمْرُهُ فِي مَالِهِ وَأُجِيزُ عَفْوَهُ وَأَرُدُّ عَفْوَ مَنْ لاَ يَجُوزُ أَمْرُهُ فِي مَالِهِ وَالْعَفْوُ هِبَةٌ كَمَا وَصَفْت وَهُوَ إبْرَاءٌ فَإِذَا لَمْ تَقْبِضْ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ صَدَاقِهَا فَعَفَتْهُ جَازَ عَفْوُهَا لِأَنَّهُ قَابِضٌ لِمَا عَلَيْهِ فَيَبْرَأُ مِنْهُ وَلَوْ قَبَضَتْ الصَّدَاقَ أَوْ نِصْفَهُ فَقَالَتْ قَدْ عَفَوْت لَك عَمَّا أَصْدَقْتَنِي فَإِنْ رَدَّتْهُ إلَيْهِ جَازَ الْعَفْوُ وَإِنْ لَمْ تَرُدَّهُ حَتَّى تَرْجِعَ فِيهِ كَانَ لَهَا الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَابِضٍ مَا وَهَبَتْهُ لَهُ وَلاَ مَعْنًى لِبَرَاءَتِهَا إيَّاهُ مِنْ شَيْءٍ لَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَتْ عَلَى التَّمَامِ عَلَى عَفْوِهِ فَهَلَكَ فِي يَدِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا غُرْمُهُ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَدْفَعَهُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَرَثَتِهَا أَنْ يُعْطُوهُ إيَّاهُ وَكَانَ مَالاً مِنْ مَالِهَا يَرِثُونَهُ قَالَ وَمَا كَانَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَعَفَا الَّذِي هُوَ لَهُ كَانَ عَفْوُهُ جَائِزًا وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي يَدِهِ فَعَفَا لَهُ الَّذِي هُوَ لَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي إتْمَامِهِ وَالرَّجْعَةِ فِيهِ وَحَبْسُهُ وَإِتْمَامُهُ وَدَفْعُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ حَبْسِهِ وَكُلُّ عَطِيَّةٍ لاَ تَجِبُ عَلَى أَحَدٍ فَهِيَ بِفَضْلٍ وَكُلُّهَا مَحْمُودٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ وَالْفَضْلُ فِي الْمَهْرِ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ حَضَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ قَالَ وَإِذَا نَكَحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ بِصَدَاقٍ فَوَهَبَتْهُ لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَ الطَّلاَقِ أَوْ بَعْدَهُ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَالْهِبَةُ جَائِزَةٌ‏.‏

وَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ قَبْلَ الطَّلاَقِ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ فَلاَ يَجُوزُ فِيهَا إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْعَفْوُ إبْرَاءً لَهُ مِمَّا لَهَا عَلَيْهَا فَلاَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ قَدْ مَلَكَهُ عَلَيْهَا وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا شَيْءٌ إلَّا مِنْ قِبَلِ مَا كَانَ لَهَا عَلَيْهِ بِإِبْرَائِهِ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ وَالدَّفْعِ إلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ كَانَ عَفْوُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ وَالدَّفْعِ إلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ‏.‏

وَإِذَا نَكَحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ الَّتِي يَجُوزُ أَمْرُهَا فِي مَالِهَا بِصَدَاقٍ غَيْرِ مُسَمًّى أَوْ بِصَدَاقٍ فَاسِدٍ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ الصَّدَاقِ قَبْلَ أَنْ تَقْبِضَهُ فَالْبَرَاءَةُ بَاطِلَةٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ مِمَّا لاَ تَعْلَمُ كَمْ وَجَبَ لَهَا مِنْهُ وَلَوْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا جَائِزًا فَرَضِيَتْهُ ثُمَّ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ فَالْبَرَاءَةُ جَائِزَةٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ مِمَّا عَرَفَتْ وَلَوْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَاسِدًا فَقَبَضَتْهُ أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْهُ أَوْ رَدَّتْهُ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بَاطِلَةً وَتَرُدُّهُ بِكُلِّ حَالٍ وَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا فَإِذَا عَلِمَتْهُ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْهُ كَانَتْ بَرَاءَتُهَا جَائِزَةً أَلاَ تَرَى أَنَّ رَجُلاً لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ قَدْ صَارَ لَك فِي يَدِي مَالٌ مِنْ وَجْهٍ فَقَالَ أَنْتَ مِنْهُ بَرِيءٌ لَمْ يَبْرَأْ حَتَّى يَعْلَمَ الْمَالِكُ الْمَالَ لِأَنَّهُ قَدْ يُبْرِئُهُ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ دِرْهَمٌ وَلاَ يُبْرِئُهُ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ كَانَ الْمَهْرُ صَحِيحًا مَعْلُومًا وَلَمْ تَقْبِضْهُ حَتَّى طَلَّقَهَا فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ الَّذِي وَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ كَانَتْ الْبَرَاءَةُ جَائِزَةً وَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِشَيْءٍ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ وَلَوْ كَانَتْ لَمْ تَقْبِضْهُ وَلَكِنَّهَا أَحَالَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ أَبْرَأَتْهُ كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بَاطِلَةً لِأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ مِمَّا لَيْسَ لَهَا وَمَا مَلَّكَهُ لِغَيْرِهَا وَلَوْ كَانَتْ أَحَالَتْ عَلَيْهِ بِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ ثُمَّ أَبْرَأَتْهُ مِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ جَازَتْ الْبَرَاءَةُ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ تَجُزْ مِمَّا أَحَالَتْ بِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْهَا إلَى غَيْرِهَا فَأَبْرَأَتْهُ مِمَّا لَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ وَلاَ تَمْلِكُهُ فَعَلَى هَذَا، هَذَا الْباب كُلِّهِ وَقِيَاسِهِ‏.‏

صَدَاقُ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ فَيُوجَدُ مَعِيبًا

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ إذَا أَصْدَقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ فَوَجَدَتْ بِهِ عَيْبًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا يُرَدُّ مِنْ مِثْلِهِ كَالْبُيُوعِ كَانَ لَهَا رَدُّهُ بِذَلِكَ الْعَيْبِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَصْدَقَهَا إيَّاهُ سَالِمًا فَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا حَتَّى حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أَصْدَقَهَا إيَّاهُ فَوَجَدَتْ بِهِ عَيْبًا أَوْ حَدَثَ بِهِ فِي يَدِ الزَّوْجِ قَبْلَ قَبْضِهَا إيَّاهُ عَيْبٌ كَانَ لَهَا رَدُّهُ بِالْعَيْبِ وَأَخْذُهُ مَعِيبًا إنْ شَاءَتْ فَإِنْ أَخَذَتْهُ مَعِيبًا فَلاَ شَيْءَ لَهَا فِي الْعَيْبِ وَإِنْ رَدَّتْهُ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا بَاعَتْهُ بُضْعَهَا بِعَبْدٍ فَلَمَّا انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِيهِ بِاخْتِيَارِهَا الرَّدَّ كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا كَمَا يَكُونُ لَهَا لَوْ اشْتَرَتْهُ مِنْهُ بِثَمَنِ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي قَبَضَ مِنْهَا وَهَكَذَا لَوْ أَصْدَقَهَا إيَّاهُ وَلَمْ تَرَهُ فَاخْتَارَتْ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ رَدَّهُ كَانَ الْجَوَابُ فِيهَا هَكَذَا لاَ يَخْتَلِفَانِ‏.‏

قَالَ وَإِنْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا لاَ يَمْلِكُهُ أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ حُرًّا عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ لَهُ أَوْ دَارًا ثُمَّ مَلَكَ الدَّارَ وَالْعَبْدَ فَلَهَا فِي هَذَا كُلِّهِ مَهْرُ مِثْلِهَا قَالَ وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ لاَ يُبَاعُ وَالْحُرُّ لاَ ثَمَنَ لَهُ فَلَمْ يَمْلِكْ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ بِحَالٍ وَالْعَبْدُ لاَ يَمْلِكُهُ وَالدَّارَ وَقَعَ النِّكَاحُ وَلاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ وَلَوْ سَلَّمَهُ سَيِّدُهُ أَوْ سَلَّمَ الدَّارَ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَمَا لَوْ بَاعَهَا عَبْدًا أَوْ دَارًا لاَ يَمْلِكُهَا ثُمَّ سَلَّمَهَا مَالِكَهَا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَلَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا بِصِفَةٍ جَازَ الصَّدَاقُ وَجَبَرَتْهَا إذَا جَاءَهَا بِأَقَلَّ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ الصِّفَةُ عَلَى قَبْضِهِ مِنْهُ قَالَ وَهَكَذَا لَوْ أَصْدَقَهَا حِنْطَةً أَوْ زَبِيبًا أَوْ خَلًّا بِصِفَةٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ كَانَ جَائِزًا وَكَانَ عَلَيْهَا إذَا جَاءَهَا بِأَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصِّفَةِ أَنْ تَقْبَلَهُ‏.‏

وَلَوْ قَالَ أَصْدَقْتُك مِلْءَ هَذِهِ الْجَرَّةِ خَلًّا وَالْخَلُّ غَيْرُ حَاضِرٍ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى مِلْءَ هَذِهِ الْجَرَّةِ خَلًّا وَالْخَلُّ غَائِبٌ لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْجَرَّةَ قَدْ تَنْكَسِرُ فَلاَ يُدْرَى كَمْ قَدْرُ الْخَلِّ وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ تُرَى أَوْ الْغَائِبِ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ بِكَيْلٍ أَوَمِيزَان يُدْرَكُ عِلْمُهُ فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ الْمُتَبَايِعَانِ قَالَ وَلَوْ أَصْدَقَهَا جِرَارًا فَقَالَ هَذِهِ مَمْلُوءَةٌ خَلًّا فَنَكَحَتْهُ عَلَى الْجِرَارِ بِمَا فِيهَا أَوْ عَلَى مَا فِي الْجَرَّةِ فَإِذَا فِيهَا خَلٌّ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ إذَا رَأَتْهُ وَافِيًا أَوْ نَاقِصًا لِأَنَّهَا لَمْ تَرَهُ فَإِنْ اخْتَارَتْهُ فَهُوَ لَهَا إنْ ثَبَتَ حَدِيثُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَإِنْ اخْتَارَتْ رَدَّهُ فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَوْ وَجَدَتْهُ خَمْرًا رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا لِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ لَهَا أَنْ تَمْلِكَ الْخَمْرَ وَهَذَا بَيْعُ عَيْنٍ لاَ تَحِلُّ كَمَا لَوْ أَصْدَقَهَا خَمْرًا كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا قَالَ وَلَوْ أَصْدَقَهَا دَارًا لَمْ تَرَهَا عَلَى أَنَّهَا بِالْخِيَارِ فِيمَا أَصْدَقَهَا إنْ شَاءَتْ أَخَذَتْهُ وَإِنْ شَاءَتْ رَدَّتْهُ أَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا لِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّدَاقِ لاَ فِي النِّكَاحِ وَكَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَمْلِكَ الْعَبْدَ وَلاَ الدَّارَ‏.‏

وَلَوْ اصْطَلَحَا بَعْدُ عَلَى الْعَبْدِ وَالدَّارِ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ حَتَّى يَعْلَمَ كَمْ مَهْرُ مِثْلِهَا فَتَأْخُذُهُ بِهِ أَوْ تَرْضَى أَنْ يَفْرِضَ لَهَا مَهْرًا فَتَأْخُذُ بِالْفَرْضِ لاَ قِيمَةِ مَهْرِ مِثْلِهَا الَّذِي لاَ تَعْرِفُهُ لِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا بِثَمَنٍ يَعْرِفُهُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مَعًا لاَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَلاَ يُشْبِهُ هَذَا أَنْ تَنْكِحَهُ بِعَبْدٍ نِكَاحًا صَحِيحًا فَيَهْلِكُ الْعَبْدُ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ وَلَيْسَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا فَيَكُونُ الْعَبْدُ مَبِيعًا بِهِ مَجْهُولاً وَإِنَّمَا وَقَعَ بِالْعَبْدِ وَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ إذَا صَحَّ مِلْكُهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا فَقَبَضَتْهُ فَوَجَدَتْ بِهِ عَيْبًا وَحَدَثَ بِهِ عِنْدَهَا عَيْبٌ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَدُّهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الزَّوْجُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْعَيْبِ الَّذِي حَدَثَ بِهِ عِنْدَهَا وَلاَ يَكُونُ لَهُ فِي الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهَا شَيْءٌ وَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَتْهُ أَوْ كَاتَبَتْهُ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِمَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ‏.‏